وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ لَمْ يَنْتَظِمْ اللَّحْمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْظُورٍ عَلَيْهِ التَّصَرُّفَ فِي اللَّحْمِ بِالْإِتْلَافِ وَالشِّرَى وَالْبَيْعِ وَسَائِرِ وُجُوهِ التَّصَرُّفِ سِوَى الْأَكْلِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِتَحْرِيمِ أَكْلِهِ، وَلَوْ كَانَ عُمُومُ الْآيَةِ قَدْ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ لَمَا جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ الْأَكْلِ كَهُوَ إذَا كَانَ حَيًّا وَلَوْ كَانَ عَلَى مُتْلِفِهِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا ضَمَانُهُ كَمَا يَلْزَمُ ضَمَانَ إتْلَافِ الصَّيْدِ الْحَيِّ ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾ يَتَنَاوَلُ تَحْرِيمَ سَائِرِ أَفْعَالِنَا فِي الصَّيْدِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ بَيْضُ الصَّيْدِ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُحْرِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا وَلَا مُسَمًّى صَيْدًا، فَكَذَلِكَ لَحْمُهُ.
قِيلَ لَهُ : لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْ إتْلَافِ لَحْمِ الصَّيْدِ وَلَوْ أَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ إتْلَافِ الْبَيْضِ وَالْفَرْخِ وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْبَيْضَ وَالْفَرْخَ قَدْ يَصِيرَانِ صَيْدًا مُمْتَنِعًا فَحَكَمَ لَهُمَا بِحُكْمِ الصَّيْدِ، وَلَحْمُ الصَّيْدِ لَا يَصِيرُ صَيْدًا بِحَالٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ لُحُومِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ ؛ إذْ لَيْسَ بِصَيْدٍ فِي الْحَالِ وَلَا يَجِيءُ مِنْهُ صَيْدٌ.
وَأَيْضًا فَإِنَّا لَمْ نُحَرِّمْ الْفَرْخَ وَالْبَيْضَ بِعُمُومِ الْآيَةِ وَإِنَّمَا حَرَّمْنَاهُمَا بِالِاتِّفَاقِ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّهُ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ غَيْرِهَا لَحْمَ حِمَارِ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ، فَرَأَى فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهَةَ، فَقَالَ :﴿ لَيْسَ بِنَا رَدٌّ عَلَيْك وَلَكِنَّا حُرُمٌ ﴾، وَخَالَفَهُ مَالِكٌ، فَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ عَنْ الصَّعْبِ بْن جَثَّامَةَ، أَنَّهُ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ حِمَارَ وَحْشٍ،