قَوْله تَعَالَى :﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ﴾ الْآيَةُ.
قِيلَ إنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ قِوَامًا لِمَعَايِشِهِمْ وَعِمَادًا لَهُمْ، مِنْ قَوْلِهِمْ :( هُوَ قِوَامُ الْأَمْرِ وَمَلَاكُهُ ) وَهُوَ مَا يَسْتَقِيمُ بِهِ أَمْرُهُ، فَهُوَ قِوَامُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلُهُ :( قِوَامًا لِلنَّاسِ صَلَاحًا لَهُمْ ) وَقِيلَ :( قِيَامًا لِلنَّاسِ ) أَيْ تَقُومُ بِهِ أَبْدَانُهُمْ لَأَمْنِهِمْ بِهِ فِي التَّصَرُّفِ لِمَعَايِشِهِمْ، فَهُوَ قِوَامُ دِينِهِمْ لَمَا فِي الْمَنَاسِكِ مِنْ الزَّجْرِ عَنْ الْقَبِيحِ وَالدُّعَاءِ إلَى الْحَسَنِ، وَلِمَا فِي الْحَرَمِ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مِنْ الْأَمْنِ، وَلِمَا فِي الْحَجِّ وَالْمَوَاسِمِ وَاجْتِمَاعِ النَّاسِ مِنْ الْآفَاقِ فِيهَا مِنْ صَلَاحِ الْمَعَاشِ، وَفِي الْهَدْيِ وَالْقَلَائِدِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ مُقَلَّدًا كَانُوا لَا يَعْرِضُونَ لَهُ ؛ وَقِيلَ : إنَّ مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنْهُمْ كَانَ يَتَقَلَّدُ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ الْحَرَمِ فَيَأْمَنُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ :( الْقَلَائِدُ مِنْ تَقْلِيدِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ بِالنِّعَالِ وَالْخِفَافِ ) فَهَذَا عَلَى صَلَاحِ التَّعَبُّدِ بِهِ فِي الدِّينِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقْلِيدَ الْبَدَنِ قِرْبَةٌ وَكَذَلِكَ سَوْقُ الْهَدْيِ.
وَالْكَعْبَةُ اسْمٌ لِلْبَيْتِ الْحَرَامِ قَالَ مُجَاهِدُ وَعِكْرِمَةُ :( إنَّمَا سُمِّيَتْ كَعْبَةٌ لَتَرْبِيعِهَا )، وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : إنَّمَا قِيلَ كَعْبَةُ الْبَيْتِ فَأُضِيفَتْ لِأَنَّ كَعْبَتَهُ تَرَبُّعُ أَعْلَاهُ.
وَأَصْلُ ذَلِكَ مِنْ الْكُعُوبَةِ وَهُوَ النُّتُوُّ، فَقِيلَ لِلتَّرْبِيعِ كَعْبَةٌ لِنُتُوِّ زَوَايَا الْمُرَبَّعِ، وَمِنْهُ كَعَبَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ إذَا نَتَأَ، وَمِنْهُ كَعْبُ الْإِنْسَانِ لِنُتَوِّهْ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ يَنْتَهِي إلَيْهِمَا الْغَسْلُ فِي الْوُضُوءِ هُمَا النَّاتِئَانِ عَنْ جَنْبَيْ أَصْلِ السَّاقِ.
وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْبَيْتَ حَرَامًا لِأَنَّهُ أَرَادَ الْحَرَمَ كُلَّهُ لِتَحْرِيمِ صَيْدِهِ وَخَلَاهُ وَتَحْرِيمُ