فَهِيَ الشَّهَادَةُ الْمُتَعَارِفَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾ ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ ﴿ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا ﴾ ﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ عُقِلَ بِهِ الشَّهَادَاتُ عَلَى الْحُقُوقِ لَا الْأَيْمَانُ ؛ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ ﴾ الْمَفْهُومُ فِيهِ الشَّهَادَةُ الْمُتَعَارَفَةُ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :﴿ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ ﴾ وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَيْمَانَ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ لِأَنَّ حَالَ الْمَوْتِ لَيْسَ حَالًا لِلْأَيْمَانِ.
ثُمَّ زَادَ بِذَلِكَ بَيَانًا بِقَوْلِهِ :﴿ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ﴾ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : إنْ لَمْ يُوجَدْ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ؛ وَلَا يَخْتَلِفُ فِي حُكْمِ الْيَمِينِ وُجُودُ ذَوِي الْعَدْلِ وَعَدَمُهُمْ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ ﴾ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَوْجُودَةٌ ظَاهِرَةٌ غَيْرُ مَكْتُومَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ يَمِينَ الْوَرَثَةِ بَعْدَ اخْتِلَافِ الْوَصِيِّينَ عَلَى مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا الشَّهَادَةُ الَّتِي هِيَ الْيَمِينُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ :﴿ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا ﴾ ثُمَّ قَوْلُهُ :﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا ﴾ يَعْنِي بِهِ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَصِيَّةِ ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ :( أَنْ تَأْتُوا بِالْيَمِينِ عَلَى وَجْهِهَا ).
وقَوْله تَعَالَى :﴿ أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ شَهَادَةٌ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشَّهَادَةَ وَالْيَمِينَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِحَقِيقَةِ لَفْظِهَا.
فَأَمَّا تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ :﴿ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ﴾ : مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ ؛ فَلَا مَعْنَى لَهُ وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ تَوَجَّهَ إلَيْهِمْ بِلَفْظِ الْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِلْقَبِيلَةِ فِي قَوْله تَعَالَى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ