حُكْمِ الْآيَةِ فِي إيجَابِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الذَّبِيحَةِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّا نَقُولُ : مَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا مَعَ اعْتِقَادِهِ لِوُجُوبِهَا هُوَ فَاسِقٌ.
وَكَذَلِكَ مَنْ أَكَلَ مَا هَذَا سَبِيلُهُ مَعَ الِاعْتِقَادِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهَا فَقَدْ لَحِقَتْهُ سِمَةُ الْفِسْقِ، وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَيْتَةِ أَوْ ذَبَائِحِ أَهْلِ الشِّرْكِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فَاسِقًا لِزَوَالِهِ عِنْدَ حُكْمِ الْآيَةِ بِالتَّأْوِيلِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : لَمَّا كَانَتْ التَّسْمِيَةُ ذِكْرًا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي اسْتِدَامَتِهِ وَلَا فِي انْتِهَائِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا فِي ابْتِدَائِهِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَاسْتَوَى فِيهِ الْعَامِدُ وَالنَّاسِي.
قِيلَ لَهُ : أَمَّا الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَهُوَ دَعْوَى مَحْضٌ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَى أَصْلٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ، عَلَى أَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِالْإِيمَانِ وَالشَّهَادَتَيْنِ وَكَذَلِكَ فِي التَّلْبِيَةِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَمَا شَاكَلَ هَذَا لِأَنَّ هَذِهِ إذَا كَانَتْ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي اسْتِدَامَتِهَا وَانْتِهَائِهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ تَرْكَ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الذَّكَاةِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ خِطَابٌ لِلْعَامِدِ دُونَ النَّاسِي ؛ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ :﴿ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ وَلَيْسَ ذَلِكَ صِفَةٌ لِلنَّاسِي ؛ وَلِأَنَّ النَّاسِيَ فِي حَالِ نِسْيَانِهِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لِلتَّسْمِيَةِ، وَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْن عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتَيْ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ﴾، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا لِلتَّسْمِيَةِ فَقَدْ أَوْقَعَ الذَّكَاةَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَا يُفْسِدُهُ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ