النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ ﴾ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ الْحَوْلِ فِيهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ اعْتِبَارُ الْمِقْدَارِ كَالرِّكَازِ وَالْغَنَائِمِ وَاحْتَجَّ مُعْتَبِرُو الْمِقْدَارِ بِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا صَدَقَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الزَّرْعِ أَوْ الْكَرْمِ أَوْ النَّخْلِ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ ﴾.
وَرَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ ﴾ وَرَوَاهُ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ إذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَانِ أَحَدُهُمَا عَامٌّ وَالْآخَرُ خَاصٌّ وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِعْمَالِ أَحَدِهِمَا وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِعْمَالِ الْآخَرِ، فَالْمُتَّفَقُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ قَاضٍ عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَلَمَّا كَانَ خَبَرُ الْعُشْرِ مُتَّفَقًا عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي خَبَرِ الْمِقْدَارِ كَانَ اسْتِعْمَالُ خَبَرِ الْعُشْرِ عَلَى عُمُومِهِ أَوْلَى وَكَانَ قَاضِيًا عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ مَنْسُوخًا أَوْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ مَحْمُولًا عَلَى مَعْنَى لَا يُنَافِي شَيْئَا مِنْ خَبَرِ الْعُشْرِ وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ :﴿ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ ﴾ عَامٌّ فِي إيجَابِهِ فِي الْمَوْسُوقِ وَغَيْرِهِ، وَخَبَرُ الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ خَاصٌّ فِي الْمَوْسُوقِ دُونَ غَيْرِهِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمِقْدَارِ