فَسَدَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ أَوْ فَسَدَ هُوَ فِي نَفْسِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ أَيْ فَسَدَ عَلَيْهِ عَيْشُهُ فِي الْجَنَّةِ ؛ قَالَ : وَيُقَالُ غَوَى الْفَصِيلُ إذَا لَمْ يَرْوَ مِنْ لَبَنِ أُمِّهِ.
وَقِيلَ فِي ﴿ أَغْوَيْتَنِي ﴾ : أَيْ حَكَمْت بِغَوَايَتِي، كَقَوْلِك أَضْلَلْتَنِي أَيْ حَكَمْت بِضَلَالَتِي.
وَقِيلَ :﴿ أَغْوَيْتَنِي ﴾ أَيْ أَهْلَكْتَنِي.
فَهَذِهِ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ مُحْتَمَلَةٌ فِي إبْلِيسَ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَعَصَى آدَم رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ يَحْتَمِلُ فَسَادَ أَمْرِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْخَيْبَةِ، وَلَا يَحْتَمِلُ الْهَلَاكَ وَلَا الْحُكْمَ بِالْغَوَايَةِ الَّتِي هِيَ ضَلَالٌ ؛ لِأَنَّ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
قَوْله تَعَالَى :﴿ ثُمَّ لَآتِيَنهمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ وَالسُّدِّيِّ :﴿ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾ مِنْ قِبَلِ دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، مِنْ جِهَةِ حَسَنَاتِهِمْ وَسَيِّئَاتِهِمْ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : مِنْ حَيْثُ يُبْصِرُونَ وَمِنْ حَيْثُ لَا يُبْصِرُونَ.
وَقِيلَ :﴿ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ يُمْكِنُ الِاحْتِيَالُ عَلَيْهِمْ ﴾.
وَلَمْ يَقُلْ مِنْ فَوْقِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لِأَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ مِنْهُ مُمْتَنِعٌ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْحَقِيقَةُ.
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ ﴾ قَرَنَ قُرْبَهُمَا الشَّجَرَةَ، إلَّا أَنَّهُ مَعْلُومٌ شَرْطُ الذِّكْرِ فِيهِ وَتَعَمُّدُ الْأَكْلِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِالنِّسْيَانِ وَالْخَطَإِ فِيمَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ.
وَلَمْ يَكُنْ أَكْلُهُمَا لِلشَّجَرَةِ مَعْصِيَةً كَبِيرَةً بَلْ كَانَتْ صَغِيرَةً مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمَا نَسِيَا الْوَعِيدَ وَظَنَّا أَنَّهُ نَهْيُ اسْتِحْبَابٍ لَا إيجَابٍ، وَلِهَذَا قَالَ :{ فَنَسِيَ وَلَمْ