قَتَلَهُ فِي الدَّرْبِ وَجَاءَ بِمَا كَانَ مَعَهُ إلَى عُبَيْدَةَ، فَأَرَادَ أَنْ يُخَمِّسَهُ فَقَالَ حَبِيبٌ : يَا أَبَا عُبَيْدَةَ لَا تَحْرِمْنِي رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّهُ فَإِنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهِ جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : مَهْلًا يَا حَبِيبُ إنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :﴿ إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ.
فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ ﴾ يَقْتَضِي حَظْرَ مَا لَمْ تَطِبْ نَفْسُ إمَامِهِ، فَمَنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُ إمَامِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ السَّلَبُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَخْبَرَ مُعَاذٌ أَنَّ ذَلِكَ فِي شَأْنِ السَّلَبِ.
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ وَطَلْحَةُ وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ﴿ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ ﴾.
وَرَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ : أَنَّ ﴿ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، ﴾ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَسْتَحِقَّ الْقَاتِلُ السَّلَبَ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ فَسَّرَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ :﴿ إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ ﴾ أَنَّ نَفْسَهُ قَدْ طَابَتْ لَلْقَاتِل بِذَلِكَ وَهُوَ إمَامُ الْأَئِمَّةِ.
قِيلَ لَهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ ﴾ الْمَفْهُومُ مِنْهُ أَمِيرُهُ الَّذِي يَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ، وَكَذَلِكَ عَقَلَ مُعَاذٌ وَهُوَ رَاوِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْسَهُ لَقَالَ إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسِي، فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا السَّائِلُ تَأْوِيلٌ سَاقِطٌ لَا مَعْنَى لَهُ.
وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الْمَرْوِيَّةُ فِي أَنَّ السَّلَبَ لَلْقَاتِل فَإِنَّمَا ذَلِكَ


الصفحة التالية
Icon