قَوْله تَعَالَى :﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ﴾ لَمْ يُرِدْ بِهِ ضَعْفَ الْقُوَى وَالْأَبْدَانِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ ضَعْفُ النِّيَّةِ لِمُحَارَبَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ فَرْضَ الْجَمِيعِ فَرْضَ ضُعَفَائِهِمْ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : مَا ظَنَنْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ بِقِتَالِهِ غَيْرَ اللَّهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾ فَكَانَ الْأَوَّلُونَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ النِّيَّاتِ فَلَمَّا خَالَطَهُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا بِقِتَالِهِ سَوَّى بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي الْفَرْضِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى بُطْلَانِ مَنْ أَبَى وُجُودَ النَّسْخِ فِي شَرِيعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِلُهُ مُعْتَدًّا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى ﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ وَالتَّخْفِيفُ لَا يَكُونُ إلَّا بِزَوَالِ بَعْضِ الْفَرْضِ الْأَوَّلِ أَوْ النَّقْلِ عَنْهُ إلَى مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ نَاسِخَةٌ لِلْفَرْضِ الْأَوَّلِ وَزَعَمَ الْقَائِلُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إنْكَارِ النَّسْخِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَمْرٌ وَإِنَّمَا فِيهِ الْوَعْدُ بِشَرِيطَةٍ فَمَتَى وَفَّى بِالشَّرْطِ أَنْجَزَ الْوَعْدَ وَإِنَّمَا كَلَّفَ كُلَّ قَوْمٍ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى قَدْرِ اسْتِطَاعَتِهِمْ فَكَانَ عَلَى الْأَوَّلِينَ مَا ذَكَرَ مِنْ مُقَاوَمَةِ الْعِشْرِينَ لِلْمِائَتَيْنِ وَالْآخَرُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ نَفَاذِ الْبَصِيرَةِ مِثْلُ مَا لِلْأَوَّلِينَ فَكُلِّفُوا مُقَاوَمَةَ الْوَاحِدِ لِلِاثْنَيْنِ وَالْمِائَةِ لِلْمِائَتَيْنِ قَالَ وَمُقَاوَمَةُ الْعِشْرِينَ لِلْمِائَتَيْنِ غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ وَكَذَلِكَ الْمِائَةُ لِلْمِائَتَيْنِ وَإِنَّمَا الصَّبْرُ مَفْرُوضٌ عَلَى قَدْرِ الْإِمْكَانِ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَقَادِيرِ اسْتِطَاعَاتِهِمْ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ نَسْخٌ زُعِمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا كَلَامٌ شَدِيدُ


الصفحة التالية
Icon