بَابُ حُكْمُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ إلَى قَوْلِهِ :﴿ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ وَنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ يَنْتَحِلُونَ نِحْلَتَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُتَمَسِّكِينَ بِجَمِيعِ شَرَائِعِهِمْ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يَتَوَلَّى قَوْمًا مِنْهُمْ فِي حُكْمِهِمْ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ : إنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ إلَّا بِالْوِلَايَةِ لَكَانُوا مِنْهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ وَذَلِكَ حِينَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ ﴿، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ حِينَ جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ : أَمَا تَقُولُ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ؟ فَقَالَ : إنَّ لِي دِينًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَا أَعْلَمُ بِهِ مِنْك أَلَسْت رَكُوسِيًّا ؟ قَالَ : نَعَمْ، قَالَ : أَلَسْت تَأْخُذُ الْمِرْبَاعَ ؟ قَالَ : نَعَمْ، قَالَ : فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَك فِي دِينِك ﴾ فَنَسَبَهُ إلَى صِنْفٍ مِنْ النَّصَارَى مَعَ إخْبَارِهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَسِّكٍ بِهِ بِأَخْذِهِ الْمِرْبَاعَ، وَهُوَ رُبْعُ الْغَنِيمَةِ، وَالْغَنِيمَةُ غَيْرُ مُبَاحَةٍ فِي دِينِ النَّصَارَى، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ انْتِحَالَ بَنِي تَغْلِبَ لِدِينِ النَّصَارَى يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمْ حُكْمَهُمْ، وَأَنْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ، وَإِذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَجَبَ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَالْجِزْيَةُ وَالْجَزَاءُ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَخْذُ الْمَالِ مِنْهُمْ عُقُوبَةً وَجَزَاءً عَلَى إقَامَتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْآيَةِ لَهَا مِقْدَارًا مَعْلُومًا، وَمَهْمَا أُخِذَ مِنْهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنَّ اسْمَ الْجِزْيَةِ يَتَنَاوَلُهُ.
وَقَدْ