وَرَدَتْ أَخْبَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ فِي تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي النَّصْرَانِيِّ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ :﴿ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ جُعِلَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ لَكَانَ الْعِتْقُ قَدْ أَضَرَّ بِهِ وَلَمْ يَنْفَعْهُ شَيْئًا ﴾، وَلَا يُحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِي بَنِي تَغْلِبَ شَيْئًا.
وَرَوَى يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ السَّفَّاحِ عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَدْ عَلِمْت شَوْكَتَهُمْ، وَأَنَّهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَإِنْ ظَاهَرُوا عَلَيْك الْعَدُوَّ اشْتَدَّتْ مُؤْنَتُهُمْ ؛ فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تُعْطِيَهُمْ شَيْئًا فَافْعَلْ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَغْمِسُوا أَوْلَادَهُمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَتُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ ؛ قَالَ : وَكَانَ عُمَارَةُ يَقُولُ : قَدْ فَعَلُوا فَلَا عَهْدَ لَهُمْ.
وَهَذَا خَبَرٌ مُسْتَفِيضٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَدْ وَرَدَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ وَالنَّقْلُ الشَّائِعُ عَمَلًا، وَهُوَ مِثْلُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ عَلَى الطَّبَقَاتِ الثَّلَاثِ، وَوَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الْأَرْضِينَ، وَنَحْوِهَا مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي عَقَدَهَا عَلَى كَافَّةِ الْأُمَّةِ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي نَفَاذِهَا وَجَوَازِهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ : لَئِنْ بَقِيَتْ لِنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ لَأَقْتُلَنَّ الْمُقَاتِلَةَ، وَلَأَسْبِيَنَّ الذُّرِّيَّةَ وَذَلِكَ أَنِّي كَتَبْت الْكِتَابَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ وَلَمْ يُخَالِفْ عَلِيًّا فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَانْعَقَدَ بِهِ إجْمَاعُهُمْ، وَثَبَتَ بِهِ اتِّفَاقُهُمْ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ


الصفحة التالية
Icon