شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ :﴿ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَعْتَقِدُ عَلَيْهِمْ أَوَّلُهُمْ ﴾ وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ جَوَازُ عُقُودِ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ عَلَى الْأُمَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ : أَمَرَ اللَّهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَنَا الِاقْتِصَارُ بِهِمْ عَلَى أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ، وَإِعْفَاؤُهُمْ مِنْ الْجِزْيَةِ.
قِيلَ لَهُ : الْجِزْيَةُ لَيْسَ لَهَا مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ فِيمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ جَزَاءٌ وَعُقُوبَةٌ عَلَى إقَامَتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَالْجَزَاءُ لَا يَخْتَصُّ بِمِقْدَارٍ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَا بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ هُوَ عِنْدَنَا جِزْيَةٌ لَيْسَتْ بِصَدَقَةٍ، وَتُوضَعُ مَوَاضِعَ الْفَيْءِ ؛ لِأَنَّهُ لَا صَدَقَةَ لَهُمْ، إذْ كَانَ سَبِيلُ الصَّدَقَةِ وُقُوعَهَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَلَا قُرْبَةَ لَهُمْ، وَقَدْ قَالَ بَنُو تَغْلِبَ : نُؤَدِّي الصَّدَقَةَ مُضَاعَفَةً، وَلَا نَقْبَلُ أَدَاءَ الْجِزْيَةِ، فَقَالَ عُمَرُ : هُوَ عِنْدَنَا جِزْيَةٌ، وَسَمُّوهَا أَنْتُمْ مَا شِئْتُمْ.
فَأَخْبَرَ عُمَرُ أَنَّهَا جِزْيَةٌ.
وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا مَأْخُوذًا مِنْ مَوَاشِيهِمْ وَزَرْعِهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَتْ جِزْيَةً لَمَا أُخِذَتْ مِنْ نِسَائِهِمْ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِنَّ.
قِيلَ : لَهُ : يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ﴿ أَمَرَ بَعْضَ أُمَرَائِهِ عَلَى بَعْضِ بُلْدَانِ الْيَمَنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ أَوْ حَالِمَةٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ ﴾.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا : تُؤْخَذُ مِنْ مَوَالِي بَنِي تَغْلِبَ إذْ كَانُوا كُفَّارًا الْجِزْيَةُ، وَلَا تُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ الْحُقُوقُ، وَفِي أَمْوَالِهِمْ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ إنَّمَا صَالَحَ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْمَوَالِيَ، فَمَوَالِيهِمْ بَاقُونَ عَلَى حُكْمِ سَائِرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَخْذِ جِزْيَةِ الرُّءُوسِ مِنْهُمْ عَلَى