قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ﴾ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ :" هَمَّتْ بِهِ بِالْعَزِيمَةِ وَهَمَّ بِهَا مِنْ جِهَةِ الشَّهْوَةِ وَلَمْ يَعْزِمْ ".
وَقِيلَ : هَمَّا جَمِيعًا بِالشَّهْوَةِ ؛ لِأَنَّ الْهَمَّ بِالشَّيْءِ مُقَارَبَتُهُ مِنْ غَيْرِ مُوَاقَعَةٍ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَمَّ يُوسُفَ بِهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِهَةِ الْعَزِيمَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَةِ دَوَاعِي الشَّهْوَةِ قَوْلُهُ :﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ وَقَوْلُهُ :﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ فَكَانَ ذَلِكَ إخْبَارًا بِبَرَاءَةِ سَاحَتِهِ مِنْ الْعَزِيمَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.
وَقِيلَ : إنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَمَعْنَاهُ : لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ هَمَّ بِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ جَوَابَ " لَوْلَا " لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ أَنْ نَقُولَ :" قَدْ أَتَيْتُك لَوْلَا زَيْدٌ " وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ تَقْدِيمِ " لَوْلَا ".
قَوْله تَعَالَى :﴿ لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ :" رَأَى صُورَةَ يَعْقُوبَ عَاضًّا عَلَى أَنَامِلِهِ " وَقَالَ قَتَادَةُ :" نُودِيَ يَا يُوسُفُ أَنْتَ مَكْتُوبٌ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَتَعْمَلُ عَمَلَ السُّفَهَاءِ " وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ :" أَنَّهُ رَأَى الْمَلَكَ ".
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ :" هُوَ مَا عَلِمَهُ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى عِقَابِ الزِّنَا ".