قَوْله تَعَالَى :﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ﴾ رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :" التَّفَثُ الذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ ".
وَرَوَى عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ، وَكَذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ :﴿ تَفَثَهُمْ ﴾ قَالَ :" الْمَنَاسِكُ ".
وَرَوَى أَشْعَثُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ :" نُسُكُهُمْ ".
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ :﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ﴾ قَالَ :" الشَّعْرُ وَالْأَظْفَارُ ".
وَقِيلَ :" التَّفَثُ قَشَفُ الْإِحْرَامِ وَقَضَاؤُهُ بِحَلْقِ الرَّأْسِ وَالِاغْتِسَالِ وَنَحْوِهِ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَمَّا تَأَوَّلَ السَّلَفُ قَضَاءَ التَّفَثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِنْ قَضَائِهِ حَلْقَ الرَّأْسِ ؛ لِأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوهُ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ اسْمٌ لَهُ لَمَا تَأَوَّلُوهُ عَلَيْهِ ؛ إذْ لَا يُسَوَّغُ التَّأْوِيلُ عَلَى مَا لَيْسَ اللَّفْظُ عِبَارَةً عَنْهُ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَلْقِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ، فَيَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ فِي الْإِحْرَامِ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ إطْلَاقٌ مِنْ حَظْرٍ ؛ إذْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَحْظُورَةً قَبْلَ الْإِحْلَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾ وَقَوْلِهِ :﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِقَضَاءِ التَّفَثِ قَدْ انْتَظَمَ سَائِرَ الْمَنَاسِكِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنْ السَّلَفِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِعْلَ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَابِ، فَكَذَلِكَ الْحَلْقُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِالْأَمْرِ بِقَضَاءِ التَّفَثِ الْإِيجَابُ فِي غَيْرِ الْحَلْقِ، فَكَذَلِكَ الْحَلْقُ.