وَقَوْلُهُ :﴿ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْرُ مَا نَذَرُوا مِنْ الْبُدْنِ ".
وَقَالَ مُجَاهِدٌ :" كُلُّ مَا نُذِرَ فِي الْحَجِّ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إنْ كَانَ التَّأْوِيلُ نَحْرَ الْبُدْنِ الْمَنْذُورَةِ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا ﴾ لَمْ يُرِدْ بِهِ مَا نُذِرَ نَحْرُهُ مِنْ الْبُدْنِ وَالْهَدَايَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادًا لَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ الذَّبْحَ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَأَمْرِهِ إيَّانَا بِالْأَكْلِ مِنْهَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ :﴿ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا ﴾ فِي غَيْرِ الْمَنْذُورِ بِهِ وَهُوَ دَمُ التَّطَوُّعِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْهَدْيَ الْمَنْذُورَ أَنَّ دَمَ النَّذْرِ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْأَكْلِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ النَّذْرَ، وَاسْتَأْنَفَ ذِكْرَ النَّذْرِ وَأَفَادَ بِهِ مَعَانٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَالثَّانِي : أَنَّ ذَبْحَ النَّذْرِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا، وَالثَّالِثُ إيجَابُ الْوَفَاءِ بِنَفْسِ الْمَنْذُورِ دُونَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ.
وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ سَائِرَ النُّذُورِ فِي الْحَجِّ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ طَوَافٍ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ :" هُوَ كُلُّ نَذْرٍ إلَى أَجَلٍ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى لُزُومِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ﴾ وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيمَنْ نَذَرَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ نَحْوَهَا أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِالْوَفَاءِ بِنَفْسِ الْمَنْذُورِ.


الصفحة التالية
Icon