حَدَّثَنَا أَبُو إسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَا : قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِنْبَرِهِ يَوْمَ الْأَضْحَى فَقَالَ :﴿ مَنْ صَلَّى مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ فَلْيَذْبَحْ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ذَبَحْت لِيَأْكُلَ مَعَنَا أَصْحَابُنَا إذَا رَجَعْنَا، قَالَ : لَيْسَ بِنُسُكٍ قَالَ : عِنْدِي جَذَعَةٌ مِنْ الْمَعْزِ، قَالَ : تُجْزِي عَنْك وَلَا تُجْزِي عَنْ غَيْرِك ﴾، فَيُسْتَدَلُّ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ بِوُجُوهٍ عَلَى الْوُجُوبِ، أَحَدُهَا : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَنْ صَلَّى مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَشَهِدَ مَعَنَا فَلْيَذْبَحْ بَعْدَ الصَّلَاةِ ﴾ وَهُوَ أَمْرٌ بِالذَّبْحِ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ الْوُجُوبَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ تُجْزِي عَنْك وَلَا تُجْزِي عَنْ غَيْرِك ﴾.
وَمَعْنَاهُ : تَقْضِي عَنْك ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ جَزَى عَنِّي كَذَا بِمَعْنَى قَضَى عَنِّي، وَالْقَضَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ وَاجِبٍ فَقَدْ اقْتَضَى ذَلِكَ الْوُجُوبَ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ :" فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ أُضْحِيَّتَهُ " وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي بُرْدَةَ :﴿ أَعِدْ أُضْحِيَّتَك ﴾، وَمَنْ يَأْبَى ذَلِكَ يَقُولُ : إنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَنْ صَلَّى مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَشَهِدَ مَعَنَا فَلْيَذْبَحْ ﴾ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِيجَابَ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِشُهُودِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَلَمَّا عَمَّ الْجَمِيعَ وَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ الْأَغْنِيَاءَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ النَّدْبَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ تُجْزِي عَنْك ﴾ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ جَوَازَ قُرْبَةٍ، وَالْجَوَازُ وَالْقَضَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا جَوَازُ قُرْبَةٍ، وَالْآخَرُ جَوَازُ فَرْضٍ، فَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ إطْلَاقِ لَفْظِ الْجَوَازِ وَالْقَضَاءِ دَلَالَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ.
وَأَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو


الصفحة التالية
Icon