أَنْ يَغْسِلَ سَبْعًا } وَهُوَ لَا يُغَيِّرُهُ.
فَإِنْ قِيلَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ إلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ﴾ وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ يَدُلُّ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ : أَحَدُهُمَا : عُمُومُ قَوْله تَعَالَى :﴿ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي جَوَازَهُ بِمَاءٍ حَلَّتْهُ النَّجَاسَةُ وَبِمَا لَمْ تَحِلَّهُ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ﴾ وَلَا يَمْتَنِعُ أَحَدٌ مِنْ إطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّ هَذَا مَاءٌ إذَا كَانَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ يَسِيرَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ ؛ وَهَذَا يُعَارِضُ مَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ مِنْ عُمُومِ الْآيِ وَالْأَخْبَارِ فِي حَظْرِ اسْتِعْمَالِهِ مَاءً خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ قِيلَ لَهُ : لَوْ تَعَارَضَ العمومان لَكَانَ مَا ذَكَرْنَا أَوْلَى مِنْ تَضَمُّنِهِ مِنْ الْحَظْرِ، وَالْإِبَاحَةُ وَالْحَظْرُ مَتَى اجْتَمَعَا كَانَ الْحُكْمُ لِلْحَظْرِ.
وَعَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَظْرِ اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ قَاضٍ عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ الْعُمُومِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ مَأْمُورًا بِمَاءٍ لَا نَجَاسَةَ فِيهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا غَيَّرَتْهُ كَانَ مَحْظُورًا وَعُمُومُ إيجَابِ الْحَظْرِ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ دُونَ عُمُومِ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ ؟ وَكَمَا قَضَى حَظْرَهُ لِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَاتِ عَلَى قَوْلِهِ :﴿ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾ فَإِنْ كَانَ مَا حَلَّهُ مِنْهَا يَسِيرًا كَذَلِكَ وَاجِبٌ أَنْ يُقْضَى عَلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ فَاغْسِلُوا ﴾ وَقَوْلِهِ :﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ﴾.
وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ وَقَوْلِهِ :﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ ﴾ وَصْفُهُ إيَّاهُ بِالتَّطْهِيرِ يَقْتَضِي تَطْهِيرَ مَا لَاقَاهُ.
فَيُقَالُ لَهُ : مَعْنَى قَوْلِهِ :" طَهُورًا " يَعْتَوِرُهُ مَعْنَيَانِ : أَحَدُهُمَا