قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَمْ يَنْفِ الْعَقْدَ، فَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ :﴿ لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ ﴾ حَقِيقَتُهُ نَفْيُ الْإِيقَاعِ، وَالْعَقْدُ عَلَى الطَّلَاقِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، لَمْ يَتَنَاوَلْ اللَّفْظَ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ إطْلَاقَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ ؛ ؛ لِأَنَّ مَنْ عَقَدَ يَمِينًا عَلَى طَلَاقٍ لَا يُقَالُ : إنَّهُ قَدْ طَلَّقَ مَا لَمْ يَقَعْ، وَحُكْمُ اللَّفْظِ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى تَقُومَ دَلَالَةُ الْمَجَازِ.
وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْحَقِيقَةِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَجَازُ ؛ لِأَنَّ لَفْظًا وَاحِدًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ ﴾ إنَّمَا هُوَ أَنْ يُذْكَرَ لِلرَّجُلِ الْمَرْأَةُ فَيُقَالُ لَهُ : تُزَوَّجْهَا، فَيَقُولُ : هِيَ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ فَأَمَّا مَنْ قَالَ :( إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ ) فَإِنَّمَا طَلَّقَهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْحُرِّيَّةِ.
وَقَدْ قِيلَ فِيهِ : إنَّهُ إنْ أَرَادَ الْعَقْدَ فَهُوَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِأَجْنَبِيَّةٍ :( إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ) ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا فَتَدْخُلُ الدَّارَ فَلَا تَطْلُقُ وَإِنْ كَانَ الدُّخُولُ فِي حَالِ النِّكَاحِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَصَّ أَوْ عَمَّ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ إذَا خَصَّ فَهُوَ مُطَلِّقٌ فِي الْمِلْكِ وَكَذَلِكَ حُكْمُهُ إذَا عَمَّ، وَإِنْ كَانَ إذَا عَمَّ غَيْرَ مُطَلِّقٍ فِي مِلْكٍ فَكَذَلِكَ فِي حَالِ الْخُصُوصِ.
فَإِنْ قِيلَ : إذَا عَمَّ فَقَدْ حَرَّمَ جَمِيعَ النِّسَاءِ عَلَى نَفْسِهِ، كَالْمُظَاهِرِ لَمَّا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ تَحْرِيمًا مُبْهَمًا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُظَاهِرَ إنَّمَا قَصَدَ تَحْرِيمَ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا، وَمِنْ أَصْلِ الْمُخَالِفِ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ وَخَصَّ وَقَعَ طَلَاقُهُ، وَإِنَّمَا لَا يُوقِعُهُ إذَا عَمَّ فَوَاجِبٌ