لِمَا قَالُوا } مَعْنَاهُ : لِمَا حَرَّمُوا، فَيَسْتَبِيحُونَهُ فَعَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الِاسْتِبَاحَةِ وَيَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ اعْتَبَرَ الْبَقَاءَ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الظِّهَارَ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ وَالْإِمْسَاكَ فَيَكُونُ الْعَوْدُ إمْسَاكُهَا عَلَى النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ لَا مَحَالَةَ قَدْ اقْتَضَى عَوْدًا إلَى حُكْمِ مَعْنًى قَدْ تَقَدَّمَ إيجَابُهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِمْسَاكِ عَلَى النِّكَاحِ فِيهِ تَأْثِيرٌ.
وَالثَّانِي : أَنَّهُ قَالَ :﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ ﴾ وَ " ثُمَّ " يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ، وَمَنْ جَعَلَ الْعَوْدَ الْبَقَاءَ عَلَى النِّكَاحِ فَقَدْ جَعَلَهُ عَائِدًا عَقِيبَ الْقَوْلِ بِلَا تَرَاخٍ، وَذَلِكَ خِلَافُ مُقْتَضَى الْآيَةِ.
وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْعَوْدَ الْعَزِيمَةَ عَلَى الْوَطْءِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْقَوْلِ هُوَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ لَا تَحْرِيمُ الْعَزِيمَةِ، وَالْعَزِيمَةُ عَلَى الْمَحْظُورِ، وَإِنْ كَانَتْ مَحْظُورَةً فَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حُكْمُهَا بِالْوَطْءِ، فَالْعَزِيمَةُ عَلَى الِانْفِرَادِ لَا حُكْمَ لَهَا، وَأَيْضًا لَا حَظَّ لِلْعَزِيمَةِ فِي سَائِرِ الْأُصُولِ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَحْكَامُ، أَلَا تَرَى أَنَّ سَائِرَ الْعُقُودِ، وَالتَّحْرِيمَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَزِيمَةِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا ؟ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إنَّ اللَّهَ عَفَا لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ ﴾ فَإِنْ قِيلَ : هَلَّا كَانَ الْعَوْدُ إعَادَةَ الْقَوْلِ مَرَّتَيْنِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - :﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ﴾ وَمَعْنَاهُ لَفَعَلُوا مِثْلَ مَا نُهُوا عَنْهُ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا : أَنَّ إجْمَاعَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ جَمِيعًا قَدْ انْعَقَدَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ، فَقَائِلُهُ خَارِجٌ عَنْ نِطَاقِ الْإِجْمَاعِ.
وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَجْعَلُ قَوْلَهُ :﴿ ثُمَّ يَعُودُنَّ لِمَا قَالُوا ﴾