كَلَامٍ مَعْطُوفٍ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ يَجِبُ أَنْ يَنْتَظِمَ الْجَمِيعُ وَيَرْجِعَ إلَيْهِ.
قِيلَ لَهُ : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي اللُّغَةِ رُجُوعُهُ إلَى مَا يَلِيهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَى مَا تَقَدَّمَهُ إلَّا بِدَلَالَةٍ، وَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ فِيمَا ذُكِرَ عَلَى رُجُوعِهِ إلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ عَلَى رُجُوعِهِ إلَى الْجَمِيعِ الْمَذْكُورِ.
فَإِنْ قِيلَ : إذَا كُنَّا قَدْ وَجَدْنَا الِاسْتِثْنَاءَ تَارَةً يَرْجِعُ إلَى بَعْضِ الْمَذْكُورِ وَتَارَةً إلَى جَمِيعِهِ وَكَانَ ذَلِكَ مُتَعَالِمًا مَشْهُورًا فِي اللُّغَةِ، فَمَا الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِصَارِ بِهِ عَلَى بَعْضِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ الَّذِي يَلِيهِ دُونَ رُجُوعِهِ إلَى الْجَمِيعِ ؟ قِيلَ لَهُ : لَوْ سَلَّمْنَا لَك مَا ادَّعَيْت مِنْ جَوَازِ رُجُوعِهِ إلَى الْجَمِيعِ لَكَانَ سَبِيلُهُ أَنْ يَقِفَ مَوْقِفَ الِاحْتِمَالِ فِي رُجُوعِهِ إلَى مَا يَلِيهِ أَوْ إلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ عُمُومًا مُقْتَضِيًا لِلْحُكْمِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ لَمْ يَجُزْ رَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ إلَيْهِ بِالِاحْتِمَالِ ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالِاحْتِمَالِ، وَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ حُكْمِهِ فِي الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ مَا يَلِيهِ دُونَ مَا تَقَدَّمَهُ.
فَإِنْ قِيلَ : مَا أَنْكَرْت أَنْ لَا يَكُونَ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ عُمُومًا مَعَ دُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى آخِرِ الْكَلَامِ بَلْ يَصِيرُ فِي حَيِّزِ الِاحْتِمَالِ وَيَبْطُلُ اعْتِبَارُ الْعُمُومِ فِيهِ ؟ إذْ لَيْسَ اعْتِبَارُ عُمُومِهِ بِأَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ عُمُومِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي عَوْدِهِ إلَى الْجَمِيعِ، وَإِذَا بَطَلَ فِيهِ اعْتِبَارُ الْعُمُومِ وَقَفَ مَوْقِفَ الِاحْتِمَالِ فِي إيجَابِ حُكْمِهِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ عُمُومِ اللَّفْظِ فِيهِ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ صِيغَةَ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ صِيغَةُ الْعُمُومِ لَا تَدَافُعَ بَيْنَنَا فِيهِ، وَلَيْسَ لِلِاسْتِثْنَاءِ صِيغَةُ عُمُومٍ يَقْتَضِي رَفْعَ الْجَمِيعِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الصِّيغَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعُمُومِ