: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ دَرَّاجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا لَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ﴿ : إنْ جَاءَتْ بِهِ أَرَحَّ الْقَدَمَيْنِ يُشْبِهُ فُلَانًا فَهُوَ مِنْهُ قَالَ : فَجَاءَتْ بِهِ يُشْبِهُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ الْحَدِّ لَرَجَمْتهَا ﴾، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللِّعَانَ حَدٌّ، وَلَمَّا كَانَ حَدًّا لَمْ يَجُزْ إيجَابُهُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةً ؛ إذْ كَانَ حَدًّا مِثْلَ حَدِّ الْجَلْدِ، وَلَمَّا كَانَ حَدًّا لَمْ يَجِبْ عَلَى قَاذِفِ الْمَمْلُوكِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ حَدًّا لَمَا وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ الْجَلْدُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَجْتَمِعَ حَدَّانِ بِقَذْفٍ وَاحِدٍ، وَفِي إيجَابِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهِ عِنْدَ إكْذَابِهِ نَفْسَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ لَيْسَ بِحَدٍّ.
قِيلَ لَهُ : قَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدًّا، وَغَيْرُ جَائِزٍ اسْتِعْمَالُ النَّظَرِ فِي دَفْعِ الْأَثَرِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ الْحَدَّيْنِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ جَلْدًا فَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا جَلْدًا وَالْآخَرُ لِعَانًا فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ فِي الْأُصُولِ خِلَافَهُ ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّ اللِّعَانَ إنَّمَا هُوَ حَدٌّ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ، فَمَتَى أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَجُلِدَ الْحَدَّ خَرَجَ اللِّعَانُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَدًّا ؛ إذْ كَانَ مَا يَصِيرُ حَدًّا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ تَارَةً حَدًّا وَتَارَةً لَيْسَ بِحَدٍّ، فَكَذَلِكَ كُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِالشَّيْءِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ تَارَةً عَلَى وَصْفٍ وَأُخْرَى عَلَى وَصْفٍ آخَرَ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :{ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ