أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ ؛ فَلَمَّا سَمَّى اللَّهُ لِعَانَهُمَا شَهَادَةً ثُمَّ قَالَ فِي الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ :﴿ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ﴾ وَجَبَ بِمَضْمُونِ الْآيَتَيْنِ انْتِفَاءُ اللِّعَانِ عَنْ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمَحْدُودِ ثَبَتَ فِي سَائِرِ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ مِثْلُ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ وَنَحْوِهِمَا، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَا يُلَاعِنُ وَجَبَ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ مَنْ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ؛ إذْ لَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يُوجِبُ اللِّعَانَ عَلَى الْمَحْدُودِ لَا يُوجِبُهُ عَلَى مَنْ ذَكَرْنَا.
وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ دَلَالَةِ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ ﴾ فَلَا يَخْلُو الْمُرَادُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْأَيْمَانُ فَحَسْبُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهِ أَوْ أَنْ يَكُونَ أَيْمَانًا لَيُعْتَبَرَ فِيهَا مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى مَا نَقُولُهُ، فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى :﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ ﴾ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْمُلَاعِنُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَالِفُونَ إلَّا أَنْفُسُهُمْ ؛ إذْ كُلُّ أَحَدٍ لَا يَحْلِفُ إلَّا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ إحْلَافُ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَالِفُونَ إلَّا أَنْفُسُهُمْ لَاسْتَحَالَ وَزَالَتْ فَائِدَتُهُ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَمِينًا.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ ﴾ فَلَمْ يَخْلُ الْمُرَادُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي هَذِهِ الْأَيْمَانِ أَوْ الْحَلِفُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَوَاءٌ


الصفحة التالية
Icon