الْإِسْقَاطُ، وَنَحْوُهُ :﴿ وَاعْفُ عَنَّا ﴾ ﴿ وَعَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ ﴾.
الثَّالِثُ : الْكَثْرَةُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ﴿ حَتَّى عَفَوْا ﴾ أَيْ كَثُرُوا، وَيُقَالُ : عَفَا الزَّرْعُ، أَيْ طَالَ.
الرَّابِعُ : الذَّهَابُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : عَفَتْ الدِّيَارُ.
الْخَامِسُ : الطَّلَبُ، يُقَالُ : عَفَّيْتُهُ وَأَعْفَيْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : مَا أَكَلَتْ الْعَافِيَةُ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ : تَطُوفُ الْعُفَاةُ بِأَبْوَابِهِ كَطَوْفِ النَّصَارَى بِبَيْتِ الْوَثَنِ وَإِذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي الْمُتَعَدِّدَةِ وَجَبَ عَرْضُهَا عَلَى مَسَاقِ الْآيَةِ، وَمُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ ؛ فَاَلَّذِي يَلِيقُ بِذَلِكَ مِنْهَا الْعَطَاءُ أَوْ الْإِسْقَاطُ ؛ فَرَجَّحَ الشَّافِعِيُّ الْإِسْقَاطَ ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ قَبْلَهُ الْقِصَاصُ، وَإِذَا ذُكِرَ الْعَفْوُ بَعْدَ الْعُقُوبَةِ كَانَ فِي الْإِسْقَاطِ أَظْهَرُ.
وَرَجَّحَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ الْعَطَاءَ ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ وُصِلَ بِكَلِمَةِ " عَنْ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَاعْفُ عَنَّا ﴾ وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ ﴾، وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الْعَطَاءِ كَانَتْ صِلَتَهُ لَهُ ؛ فَتَرَجَّحَ ذَلِكَ بِهَذَا ؛ وَبِوَجْهٍ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّ تَأْوِيلَ مَالِكٍ هُوَ اخْتِيَارُ خَبَرِ الْقُرْآنِ، وَمَنْ تَابَعَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ؛ وَبِوَجْهٍ ثَالِثٍ، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْجَزَاءِ أَنْ يَعُودَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الشَّرْطُ، وَالْجَزَاءُ عَائِدٌ إلَى الْوَلِيِّ، فَلْيَعُدْ إلَيْهِ الشَّرْطُ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِمَنْ، مَنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ بِالِاتِّبَاعِ.
الرَّابِعُ : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ :﴿ شَيْءٌ ﴾ فَنَكَّرَ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْقِصَاصَ لَمَا نَكَّرَهُ، لِأَنَّهُ مُعَرَّفٌ ؛ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ التَّنْكِيرُ فِي جَانِبِ الدِّيَةِ وَمَا دُونَهُ.
وَيَنْفَصِلُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَنْ تَرْجِيحِ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ تَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ مَعْنَى عَفَا أَسْقَطَ ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَهُ "


الصفحة التالية
Icon