الصَّحَابَةِ وَمِنْهُمْ، وَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ تَبْدِيلُ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى، وَإِنْ اسْتَوْفَى ذَلِكَ الْمَعْنَى ؛ فَإِنَّا لَوْ جَوَّزْنَاهُ لِكُلِّ أَحَدٍ لَمَا كُنَّا عَلَى ثِقَةٍ مِنْ الْأَخْذِ بِالْحَدِيثِ ؛ إذْ كُلُّ أَحَدٍ إلَى زَمَانِنَا هَذَا قَدْ بَدَّلَ مَا نَقَلَ، وَجَعَلَ الْحَرْفَ بَدَلَ الْحَرْفِ فِيمَا رَوَاهُ ؛ فَيَكُونُ خُرُوجًا مِنْ الْإِخْبَارِ بِالْجُمْلَةِ.
وَالصَّحَابَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ اجْتَمَعَ فِيهِمْ أَمْرَانِ عَظِيمَانِ : أَحَدُهُمَا : الْفَصَاحَةُ وَالْبَلَاغَةُ ؛ إذْ جِبِلَّتُهُمْ عَرَبِيَّةٌ، وَلُغَتُهُمْ سَلِيقَةٌ.
وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ شَاهَدُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلَهُ، فَأَفَادَتْهُمْ الْمُشَاهَدَةُ عَقْلَ الْمَعْنَى جُمْلَةً، وَاسْتِيفَاءَ الْمَقْصِدِ كُلِّهِ ؛ وَلَيْسَ مَنْ أَخْبَرَ كَمَنْ عَايَنَ.
أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ فِي كُلِّ حَدِيثٍ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَذَا، وَلَا يَذْكُرُونَ لَفْظَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ خَبَرًا صَحِيحًا وَنَقْلًا لَازِمًا ؛ وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِيبَ فِيهِ مُنْصِفٌ لِبَيَانِهِ.


الصفحة التالية
Icon