الْآيَةُ السَّادِسَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ ﴾ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْحَصُورَ هُوَ الْعِنِّينُ وَهُمْ الْأَكْثَرُ، وَمِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُوَ الَّذِي يَكُفُّ عَنْ النِّسَاءِ وَلَا يَأْتِيهِنَّ مَعَ الْقُدْرَةِ، مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَدْحٌ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ، وَالْمَدْحُ وَالثَّنَاءُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْفَضْلِ الْمُكْتَسَبِ دُونَ الْجِبِلَّةِ فِي الْغَالِبِ.
الثَّانِي : أَنَّ حَصُورًا فَعُولًا ؛ وَبِنَاءُ فَعُولٍ فِي اللُّغَةِ مِنْ صِيَغِ الْفَاعِلِينَ.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : الْحَصُورُ : الْبَخِيلُ، وَالْهَيُوبُ الَّذِي يُحْجِمُ عَنْ الشَّيْءِ ؛ وَالْكَاتِمُ السِّرَّ ؛ وَهَذَا بِنَاءُ فَاعِلٍ.
وَالْحَصُورُ عِنْدَهُمْ : النَّاقَةُ الَّتِي لَا يَخْرُجُ لَبَنُهَا مِنْ ضِيقِ إحْلِيلِهَا.
وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ.
وَقَدْ جَاءَ فَعُولٌ بِمَعْنَى مُفْعَلٍ، تَقُولُ : رَسُولٌ بِمَعْنَى مُرْسَلٍ، وَلَكِنَّ الْغَالِبَ مَا تَقَدَّمَ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَيَحْيَى كَانَ كَافًّا عَنْ النِّسَاءِ عَنْ قُدْرَةٍ فِي شَرْعِهِ، فَأَمَّا شَرْعُنَا فَالنِّكَاحُ.
رُوِيَ ﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ عَنْ التَّبَتُّلِ قَالَ الرَّاوِي : وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا ﴾، وَلِهَذَا بَالَغَ قَوْمٌ فَقَالُوا : النِّكَاحُ وَاجِبٌ، وَقَصَرَ آخَرُونَ فَقَالُوا مُبَاحٌ، وَتَوَسَّطَ عُلَمَاؤُنَا فَقَالُوا : مَنْدُوبٌ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ النَّاكِحِ وَالزَّمَانِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَسَتَرَوْنَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.


الصفحة التالية
Icon