الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اخْتَلَفُوا فِي تَحْرِيمِ إسْرَائِيلَ عَلَى نَفْسِهِ ؛ فَقِيلَ : كَانَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقِيلَ : كَانَ بِاجْتِهَادٍ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ اجْتِهَادِ الْأَنْبِيَاءِ ؛ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ.
وَاخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِ الْيَهُودِ ذَلِكَ.
فَقِيلَ : إنَّ إسْرَائِيلَ حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهِمْ.
وَقِيلَ : اقْتَدَوْا بِهِ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ، فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بَغْيَهُمْ، وَنَزَلَتْ بِهِ التَّوْرَاةُ، وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ﴾ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَجْتَهِدَ ؛ وَإِذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى شَيْءٍ كَانَ دِينًا يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ لِتَقْرِيرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَمَا يُوحَى إلَيْهِ وَيَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ، كَذَلِكَ يُؤْذَنُ لَهُ وَيَجْتَهِدُ، وَيَتَعَيَّنُ مُوجِبُ اجْتِهَادِهِ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ.
وَالظَّاهِرُ مِنْ الْآيَةِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَضَافَ التَّحْرِيمَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إلَّا مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَذِنَ لَهُ فِي تَحْرِيمِ مَا شَاءَ، وَلَوْلَا تَقَدَّمَ الْإِذْنُ لَهُ مَا تَسَوَّرَ عَلَى التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، وَتَقَدَّمَ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ فَحَرَّمَهُ مُجْتَهِدًا فَأَقَرَّهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ حَرَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَسَلَ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَوْ جَارِيَتَهُ مَارِيَةُ فَلَمْ يُقِرَّ اللَّهُ تَحْرِيمَهُ، وَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى :﴿ يَأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتِهَادًا أَوْ بِأَمْرٍ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.


الصفحة التالية
Icon