الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ ﴾ فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ الْحَجَرُ الْمَعْهُودُ، وَإِنَّمَا جُعِلَ آيَةً لِلنَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ جَمَادٌ صَلْدٌ وَقَفَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ فِيهِ أَثَرَ قَدَمِهِ آيَةً بَاقِيَةً إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
الثَّانِي : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :﴿ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ ﴾ هُوَ الْحَجُّ كُلُّهُ ؛ وَهَذَا بَيِّنٌ، فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ قَامَ بِأَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَنَادَى بِالْحَجِّ عِبَادَ اللَّهِ، فَجَمَعَ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَى قَصْدِهِ، وَكَانَتْ شِرْعَةً مِنْ عَهْدِهِ، وَحَجَّةً عَلَى الْعَرَبِ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِ مِنْ بَعْدِهِ.
وَفِيهِ مِنْ الْآيَاتِ أَنَّ مَنْ دَخَلَهُ خَائِفًا عَادَ آمِنًا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ كَانَ صَرَفَ الْقُلُوبَ عَنْ الْقَصْدِ إلَى مُعَارَضَتِهِ، وَصَرَفَ الْأَيْدِي عَنْ إذَايَتِهِ، وَجَمَعَهَا عَلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَتِهِ.
وَهَذَا خَبَرٌ عَمَّا كَانَ، وَلَيْسَ فِيهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى آيَاتٍ، وَتَقْرِيرُ نِعَمٍ مُتَعَدِّدَاتٍ، مَقْصُودُهَا وَفَائِدَتُهَا وَتَمَامُ النِّعْمَةِ فِيهِ بَعْثُهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ هَذِهِ الْآيَاتِ وَيَرَى مَا فِيهَا مِنْ شَرَفِ الْمُقَدِّمَاتِ لِحُرْمَةِ مَنْ ظَهَرَ مِنْ تِلْكَ الْبُقْعَةِ فَهُوَ مِنْ الْأَمْوَاتِ.


الصفحة التالية
Icon