الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ.
الثَّانِي : إلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَقَدْ حَارَبُوا بِأَرْضِ الشِّرْكِ.
الثَّالِثُ : إلَّا الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ.
الرَّابِعُ : إلَّا الَّذِينَ تَابُوا فِي حُقُوقِ اللَّهِ ؛ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ ؛ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ : وَفِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ مَالٌ يُعْرَفُ، أَوْ يَقُومَ وَلِيٌّ يَطْلُبُ دَمَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ وَالْقِصَاصُ مِنْهُ.
الْخَامِسُ : قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ : لَا يُطْلَبُ بِشَيْءٍ لَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَلَا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.
أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّ الْآيَةَ فِي الْمُشْرِكِينَ فَهُوَ الَّذِي يَقُولُ إنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا ﴾ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ أَرَادَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِمَّنْ هُوَ بِأَرْضِ الشِّرْكِ فَهُوَ تَخْصِيصٌ طَرِيفٌ، وَلَهُ وَجْهٌ طَرِيفٌ ؛ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ﴾ يُعْطِي أَنَّهُمْ بِغَيْرِ أَرْضِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ؛ وَلَكِنْ كُلُّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ وَتَسْتَوْلِي عَلَيْهِ الْقُدْرَةُ، وَهَذَا إذَا تَبَيَّنْتَهُ لَمْ يَصِحَّ تَنْزِيلُهُ ؛ فَإِنَّ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا الَّذِي خَرَجَ إلَى الْجَبَلِ، وَتَوَسَّطَ الْبَيْدَاءَ فِي مَنَعَةٍ فَلَا تَتَّفِقُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ إلَّا بِجَرِّ جَيْشٍ وَنَفِيرِ قَوْمٍ ؛ فَلَا يُقَالُ : إنَّا قَادِرُونَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : أَرَادَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَرْجِعُ إلَى الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ.
قُلْنَا : إنَّا نَقُولُ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا.
فَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا فَقَدْ عَلِمْنَا


الصفحة التالية
Icon