أَبْوَابِ النَّحْوِ، تَقُولُ : بَيْنَ الدَّارِ وَالْمَسْجِدِ مَسَافَةٌ.
وَلَوْ كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيْنٌ، أَيْ مَوْضِعٌ خَالٍ مِنْهُمَا.
وَمَا كَانَ الِاجْتِمَاعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : اجْتِمَاعُ أَجْسَامٍ، وَاجْتِمَاعُ مَعَانٍ، وَهِيَ الْأَخْلَاقُ وَالْأَهْوَاءُ جَعَلَ افْتِرَاقَ الْأَهْوَاءِ كَافْتِرَاقِ الْأَجْسَامِ، وَاسْتَعْمَلَ فِيهِ " بَيْنَ " الَّذِي هُوَ الِافْتِرَاقُ فِيهِمَا جَمِيعًا.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :﴿ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِك حِجَابٌ ﴾.
وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ : بَيْنِي وَبَيْنَهُ رَحِمٌ، أَيْ مَا افْتَرَقْنَا إلَّا عَنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ.
وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ شَرِكَةٌ أَيْ افْتَرَقْنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا عَنْ جَمْعِ الْمَالِ الْمَخْصُوصِ.
فَقَالَ أَهْلُ الصِّنَاعَةِ : هُوَ مَصْدَرٌ فِي الْمَعَانِي، ظَرْفٌ فِي الْأَجْسَامِ لَمَّا كَانَتْ ذَوَاتُ مِسَاحَاتٍ مَحْسُوسَاتٍ فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَعَانِي، وَالْكُلُّ فِي الْحَقِيقَةِ تَبَايُنٌ وَتَبَاعُدٌ وَفُرْقَةٌ.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :﴿ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ﴾ مَرْفُوعًا وَمَنْصُوبًا.
الْمَعْنَى : لَقَدْ تَقَطَّعَ تَبَاعُدُكُمْ وَافْتِرَاقُكُمْ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ اتِّصَالٌ ؛ فَإِنَّ الَّذِي يَبِينُ عَلَى قِسْمَيْنِ، مِنْهُ مَا يُرْجَى لَهُ اتِّصَالٌ، وَمِنْهُ مَا لَا يُرْجَى لَهُ اتِّصَالٌ، فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالتَّقَطُّعِ.
وَقَدْ جَعَلَ أَهْلُ الصِّنَاعَةِ هُنَا " بَيْنَ " لِلظَّرْفِ، وَكَثُرَ ذَلِكَ حَتَّى جُعِلَ اسْمًا فِي الْأَهْوَاءِ الْمُتَبَايِنَةِ، مَجَازًا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا، وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ : لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ عَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ.
الْمَعْنَى : لَقَدْ تَفَرَّقَتْ أَهْوَاؤُكُمْ وَأَخْلَاقُكُمْ.
وَتَارَةً تُضَافُ بِالْكِنَايَةِ إلَيْهِ فَيُقَالُ : ذَاتُ الْبَيْنِ.
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ :﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾.
قَالَ الشَّاعِرُ : وَأَهْلُ خِبَاءٍ صَالِحٌ ذَاتُ بَيْنِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَيُقَالُ : الْأَمْرُ الَّذِي بَيْنَكُمْ، وَمَا بَيْنَكُمْ مُبْهَمٌ، مَعْنَاهُ الْأَمْرُ الَّذِي فَرَّقَكُمْ.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا


الصفحة التالية
Icon