الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : إنَّمَا وَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ أَهْلُ الْكِتَابِ، لِأَجْلِ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ﴾ يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَرَجَعَ قَوْلُهُ :﴿ وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ﴾ إلَيْهِمْ.
وَهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ وَخُصُوصَهُ لَا يُؤْثِرُ فِي آخَرَ الْكَلَامِ وَعُمُومِهِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا [ بِنَفْسِهِ ].
الثَّانِي : أَنَّ هَذَا إنَّمَا كَانَ يَظْهَرُ لَوْ قَالَ : وَيَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ.
أَمَا وَقَدْ قَالَ : وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَقَدْ اسْتَأْنَفَ مَعْنًى آخَرَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، لَا وَصْفًا لِجُمْلَةٍ عَلَى وَصْفٍ لَهَا.
وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ قَالَ : جَلَسْت إلَى مَلَأٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الشَّعْرِ وَالثِّيَابِ وَالْهَيْئَةِ، حَتَّى قَامَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ :" بَشِّرْ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، يُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَزَلْزَلُ ".
ثُمَّ وَلَّى فَجَلَسَ إلَى سَارِيَةٍ، وَجَلَسْت إلَيْهِ، وَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ، فَقُلْت لَهُ : لَا أَرَى الْقَوْمَ إلَّا قَدْ كَرِهُوا مَا قُلْت لَهُمْ.
قَالَ : إنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا قَالَ لِي خَلِيلِي.
قُلْت : مَنْ خَلِيلُك ؟ قَالَ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :{ يَا أَبَا ذَرٍّ ؛ أَتُبْصِرُ أَحَدًا ؟ فَنَظَرْت إلَى الشَّمْسِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ، وَأَنَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ يُرْسِلُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ.
قُلْت : نَعَمْ.
قَالَ لِي : مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ، إلَّا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُونَ،