الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ : إذَا أَكَلَ مِنْ لَحْمِ الْهَدْيِ الَّذِي لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، فَفِيهِ لِعُلَمَائِنَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا وَقَعَ فِي الْمَدِينَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ جَهْلٌ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَالَ مَالِكٌ : وَقَدْ كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ : يَأْكُلُ مِنْهُ.
وَقَالَ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِنَا : إنَّهُ إذَا أَكَلَ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ فِدْيَةِ الْأَذَى بَعْدَ أَنْ بَلَغَ مَحَلَّتَهُ غَرِمَ.
وَمَاذَا يَغْرَمُ ؟ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : يَضْمَنُ الْهَدْيَ كُلَّهُ ؛ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ.
الثَّانِي : لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا غُرْمُ قَدْرِ مَا أَكَلَ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، لَا شَيْءَ غَيْرُهُ.
وَكَذَا لَوْ نَذَرَ هَدْيَ الْمَسَاكِينِ، فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ مَحِلَّهُ لَا يَغْرَمُ إلَّا مَا أَكَلَ، خِلَافًا لِلْمُدَوِّنَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدِي مَا ذَكَرْته لَكُمْ، إذْ النَّحْرُ قَدْ وَقَعَ، وَالتَّعَدِّي إنَّمَا هُوَ فِي اللَّحْمِ، فَيَغْرَمُ بِقَدْرِ مَا تَعَدَّى فِيهِ.
وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِيمَا يَغْرَمُ وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : فَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا : إنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ اللَّحْمِ.
وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ : إنَّهُ يَغْرَمُهُ طَعَامًا.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ إنَّمَا هُوَ فِي مُقَابَلَةِ الْهَدْيِ كُلِّهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ عِبَادَةً، وَلَيْسَ حُكْمُ التَّعَدِّي حُكْمَ الْعِبَادَةِ، فَأَمَّا إذَا عَطِبَ الْوَاجِبُ كُلُّهُ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَلِيَأْكُلْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهُ، وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَعَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ لَمْ يَأْكُلْ ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ أَسْرَعَ بِهِ لِيَأْكُلَهُ، وَهَذَا مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ، وَهِيَ :


الصفحة التالية
Icon