الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَثِيَابَك فَطَهِّرْ ﴾ فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَرَادَ نَفْسَك فَطَهِّرْ، وَالنَّفْسُ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالثِّيَابِ [ كَمَا ] قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ : وَإِنْ تَكُ قَدْ سَاءَتْكِ مِنَى خَلِيقَةٌ فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِك تَنْسُلِي الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الثِّيَابُ الْمَلْبُوسَةُ، فَتَكُونُ حَقِيقَةً، وَيَكُونُ [ التَّأْوِيلُ ] الْأَوَّلُ مَجَازًا.
وَاَلَّذِي يَقُولُ : إنَّهَا الثِّيَابُ الْمَجَازِيَّةُ أَكْثَرُ.
رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : مَا يُعْجِبُنِي أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ إلَّا فِي الصَّلَاةِ وَالْمَسَاجِدِ، لَا فِي الطَّرِيقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَثِيَابَك فَطَهِّرْ ﴾ يُرِيدُ مَالِكٌ أَنَّهُ كَنَّى بِالثِّيَابِ عَنْ الدِّينِ.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ وَثِيَابَك فَطَهِّرْ ﴾ أَيْ لَا تَلْبَسْهَا عَلَى غَدْرَةٍ.
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مُسْنَدًا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَثِيرًا مَا تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ أَبُو كَبْشَةَ : ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ وَأَوْجُهُهُمْ عِنْدَ الْمَشَاعِرِ غُرَّانُ يَعْنِي بِطَهَارَةِ ثِيَابِهِمْ سَلَامَتَهُمْ مِنْ الدَّنَاءَاتِ، وَيَعْنِي بِغُرَّةِ وُجُوهِهِمْ تَنْزِيهَهُمْ عَنْ الْحُرُمَاتِ، أَوْ جَمَالَهُمْ فِي الْخِلْقَةِ، أَوْ كِلَيْهِمَا.
وَقَدْ قَالَ غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفِيُّ : فَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لَا ثَوْبَ غَادِرٍ لَبِسْت وَلَا مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَنْ تُحْمَلَ الْآيَةُ عَلَى عُمُومِ الْمُرَادِ فِيهَا بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَإِذَا حَمَلْنَاهَا عَلَى الثِّيَابِ الْمَعْلُومَةِ [ الظَّاهِرَةِ ] فَهِيَ تَتَنَاوَلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا تَقْصِيرُ الْأَذْيَالِ، فَإِنَّهَا إذَا أُرْسِلَتْ تَدَنَّسَتْ ؛