وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا ﴾.
فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعْنَيَانِ :( أَحَدُهُمَا ) : الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ.
وَهُوَ مِثْلُ مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مِنْ أَنْ [ يَكُونَ الْأَمْرُ ] بِالْإِشْهَادِ : دَلَالَةً لَا : حَتْمًا.
وَفِي قَوْلِ اللَّهِ :﴿ وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا ﴾ ؛ كَالدَّلِيلِ عَلَى الْإِرْخَاصِ فِي تَرْكِ الْإِشْهَادِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ :﴿ وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا ﴾ ؛ أَيْ إنْ لَمْ يُشْهِدُوا، ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ).
( وَالْمَعْنَى الثَّانِي ) أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ : الْمَأْمُورُ : بِالدَّفْعِ إلَيْهِ مَالُهُ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ يَبْرَأُ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ : إنْ جَحَدَهُ الْيَتِيمُ، وَلَا يَبْرَأُ بِغَيْرِهِ أَوْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عَلَى الدَّلَالَةِ وَقَدْ يَبْرَأُ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ إذَا صَدَّقَهُ الْيَتِيمُ.
وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي الْوَكِيلِ إذَا ادَّعَى دَفْعَ الْمَالِ إلَى مَنْ أَمْرِهِ الْمُوَكِّلُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ؛ لَمْ يَقْبَلْ [ مِنْهُ ] إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ ؛ لَيْسَ هُوَ الَّذِي ائْتَمَنَهُ عَلَى الْمَالِ ؛ كَمَا أَنَّ الْيَتَامَى لَيْسُوا الَّذِينَ ائْتَمَنُوهُ عَلَى الْمَالِ فَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ.
وَبِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِمَنْ ائْتَمَنَهُ : قَدْ دَفَعْتُهُ إلَيْكَ ؛ فَيَقْبَلُ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ.
وَذَكَرَ ( أَيْضًا ) فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بِمَعْنَاهُ.