عفاء الرسوم إلا جدة عهد، وشدة وجد.
وإنما فزع الاصمعي (١) إلى إفادته هذه الفائدة، خشية أن يعاب عليه، فيقال: أي فائدة لان يعرفنا أنه لم يعف رسم منازل حبيبه ؟ وأى معنى لهذا الحشو ؟ فذكر ما يمكن أن يذكر، ولكن لم يخلصه - بانتصاره له - من الخلل.
ثم في هذه الكلمة خلل آخر، لانه عقب البيت بأن قال (٢): * فهل عند رسم دارس من معول ! * فذكر أبو عبيدة: أنه رجع فأكذب نفسه، كما قال زهير: / قف بالديار التى لم يعفها القدم * نعم، وغيرها الارواح والديم (٣) وقال غيره: أراد بالبيت الاول أنه لم ينطمس أثره كله، وبالثانى أنه ذهب بعضه، حتى لا يتناقض الكلامان.
وليس في هذا انتصار، لان معنى " عفا " و " درس " واحد، فإذا قال: " لم يعف رسمها " ثم قال: " قد عفا "، فهو تناقض لا محالة ! واعتذار " أبى عبيدة " أقرب لو صح، ولكن لم يرد هذا القول مورد الاستدراك كما قاله (٤) زهير، فهو إلى الخلل أقرب.
وقوله: " لما نسجتها "، كان ينبغى أن يقول: " لما نسجها " ولكنه تعسف فجعل " ما " في تأويل تأنيث (٥)، لانها في معنى الريح، والاولى التذكير دون التأنيث، وضرورة الشعر قد قادته إلى (٦) هذا التعسف.
وقوله: " لم يعف رسمها " كان الاولى أن يقول: " لم يعف رسمه " لانه ذكر المنزل، فإن كان رد ذلك إلى هذه البقاع والاماكن
(٣) ديوانه ص ١٤٥ وفيه " بلى وغيرها " والارواح: جمع ريح.
والديم جمع ديمة: والديمة مطر يدوم في سكون بلا رعد أو برق، وقال ثعلب في شرح هذا البيت: " قال أبو زياد: عفا بعضها ولم يعف بعض ".
وقال أبو عبيدة: أكذب نفسه.
لم يعفها: لم يدرسها، ثم رجع فقال: بلى، ومثله قول الطهوى: فلا تبعدن يا خير عمرو بن جندب * بلى إن من زار القبور ليبعدا (٤) م: " لو صح.
ولم يكن يورد هذا القول... على ما قاله " (٥) كذا في م، ا، ك، وفى س: " التأنيث " (٦) س، ك: " قد دلته على هذا " (*)