نشاء من عبادنا، وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم) (١) فانظر إشئت - إلى شريف هذا النظم، وبديع هذا التأليف، وعظيم هذا الرصف (٢)، كل كلمة من هذه الآية تامة، وكل لفظ بديع واقع.
قوله: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا): يدل على صدوره من الربوبية، ويبين عن وروده عن الالهية.
وهذه الكلمة بمنفردها وأخواتها (٣) كل واحدة منها لو وقعت بين كلام كثير - تميز عن جميعه، وكان واسطة عقده، وفاتحة عقده، وغرة شهره، وعين دهره.
وكذلك قوله: (ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا)، فجعله روحا، لانه يحيى (٤)، الخلق، فله فضل الارواح في الاجساد.
وجعله نورا، لانه يضئ ضياء الشمس في الآفاق.
ثم أضاف وقوع / الهداية به إلى مشيئته، ووقف وقوع (٥) الاسترشاد به على إرادته، وبين أنه لم يكن ليهتدى إليه لولا توفيقه، ولم يكن ليعلم ما في الكتاب ولا الايمان لولا تعليمه، وأنه لم يكن ليهتدى - فكيف كان يهدى - لولاه، فقد صار (٦) يهدى، ولم يكن (٦) من قبل ذلك ليهتدى (٧)، فقال: (وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم.
صراط الله الذى له ما في السموات وما في الارض، ألا إلى الله تصير الامور) (٨).
فانظر إلى هذه الكلمات الثلاث: فالكلمتان الاوليان مؤتلفتان، وقوله: (ألا إلى الله تصير الامور) كلمة منفصلة مباينة للاولى، قد صيرهما شريف النظم أشد ائتلافا من الكلام المؤالف، وألطف انتظاما من الحديث
الملائم.
وبهذا يبين فضل الكلام، وتظهر فصاحته وبلاغته.
الامر أظهر - والحمد لله - والحال أبين من أن يحتاج إلى كشف.

(١) سورة الشورى: ٥٢ (٢) م: " على أن كل " (٣) س: " وأخوتها " (٤) م: " يحيى به " (٥) كذا في م وفى س، ك: " وقوف " (٦) ما بين الرقمين مكانه بياض في ك (٧) م: " ليهدى " (٨) سورة الشورى: ٥٣ (*)


الصفحة التالية
Icon