تأمل قوله: (فالق الاصباح، وجعل الليل سكنا، والشمس والقمر حسبانا، ذلك تقدير العزيز العليم) (١).
انظر إلى هذه الكلمات الاربع التى ألف بينها، واحتج بها على ظهور قدرته، ونفاذ أمره، أليس كل كلمة منها في نفسها غرة ؟ وبمنفردها (٢) درة ؟ وهو - مع ذلك - يبين أنه يصدر من علو الامر، ونفاذ القهر، ويتجلي في بهجة القدرة، ويتحلى بخالصة العزة، ويجمع السلاسة إلى الرصانة، والسلامة إلى المتانة، والرونق الصافى، والبهاء الضافى.
ولست أقول: إنه شمل الاطباق المليح، والايجاز اللطيف، والتعديل والتمثيل، والتقريب والتشكيل - وإن كان قد جمع ذلك وأكثر منه - لان
العجيب ما بينا من انفراد كل كلمة بنفسها، حتى تصلح أن تكون عين رسالة أو خطبة، أو وجه قصيدة أو فقرة.
فإذا ألفت ازدادت [ به ] حسنا [ وإحسانا ] (٣)، وزادتك - إذا تأملت - معرفة وإيمانا.
* * * ثم تأمل قوله: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون.
والشمس تجرى لمستقر لها، ذلك تقدير العزيز العليم.
والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم) (٤) هل تجد / كل لفظة، وهل تعلم كل كلمة، تستقل بالاشتمال على نهاية البديع، وتتضمن شرط القول البليغ ؟ فإذا كانت الآية تنتظم من البديع، وتتألف من البلاغات، فكيف لا تفوت

(١) سورة الانعام: ٩٦ (٢) كذا في م، ك وفى س " وبمفردها " (٣) الزيادة من م (٤) سورة يس: ٣٧ - ٣٩ (*)


الصفحة التالية
Icon