مصحفه إثبات المعوذتين، أو أن يكون الناقل اشتبه عليه الامر، لان مصحفه مخالف في النظم والترتيب مصحف عثمان.
وقال: " ولو كان قد أنكر السورتين على ما ادعوا، لكانت الصحابة تناظره على ذلك، وكان يظهر وينتشر، فقد تناظروا في أقل من هذا، وهذا أمر يوجب التكفير والتضليل فكيف يجوز أن يقع التخفيف فيه ؟ ! وقد علمنا إجماعهم على ما جمعوه في المصحف، فكيف يقدح بمثل هذه الحكايات الشاذة المولدة في الاجماع المتقرر، والاتفاق المعروف ؟ " ثم قال: " ولو كان القرآن من كلامه، لكان البون بين كلامه وبينه مثل ما بين خطبة وخطبة ينشئهما رجل واحد، وكانوا يعارضونه، لانا قد علمنا أن القدر الذى بين كلامهم وبين كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لا يخرج إلى حد الاعجاز، ولا يتفاوت التفاوت الكثير، ولا يخفى كلامه من جنس أوزان كلامهم، وليس كذلك نظم القرآن، لانه خارج من جميع ذلك ".
ثم أجاب إجابة دقيقة موفقة على اعتراض أورده في ص ٤٤٦ وهو: " ولو كان القرآن معجزا لم يختلف أهل الملة في وجه إعجازه ؟ "
* * *
ثم أعقبه بفصل موجز لبيان أن من شرط المعجز أن يعلم أنه أتى به من ظهر عليه.
* * *
ثم ذكر الباقلانى الفصل الاخير من كتابه ص ٤٥٢، وقال في مستهله: " قد ذكرنا في الابانة عن معجز القرآن وجيزا من القول، رجونا أن يكفى، وأملنا أن يقنع، والكلام في أوصافه - إن استقصى - بعيد الاطراف، واسع الاكناف، لعلو شأنه، وشريف مكانه.
والذى سطرناه في الكتاب، وإن كان موجزا، وما أمليناه فيه، وإن كان خفيفا، فإنه ينبه على الطريقة، ويدل على الوجه ويهدى إلى الحجة، ومتى عظم محل الشئ فقد يكون الاسهاب فيه عيا، والاكثار في وصفه تقصيرا.. ولولا أن العقول تختلف، والافهام تتباين، والمعارف تتفاضل - لم نحتج إلى ما تكلفنا، ولكن الناس يتفاوتون في المعرفة، ولو اتفقوا فيها لم يجز أن يتفقوا في معرفة هذا الفن، أو يجتمعوا في الهداية إلى هذا العلم، لاتصاله بأسباب خفية، وتعلقه بعلوم غامضة الغور، عميقة القعر، كثيرة المذاهب، قليلة
ومن ذلك قول أبى تمام: يمدون من أيد عواص عواصم * تصول بأسياف قواض قواضب (١) وأبو نواس يقصد في مصراعي مقدمات شعره هذا الباب (٢)، كقوله: ألا دارها بالماء حتى تلينها * فلن تكرم الصهباء حتى تهينها وكذلك قوله: ديار نوار ما ديار نوار * كسونك شجوا هن منه عوار (٣) وكقول ابن المعتز: سأثنى على عهد المطيرة والقصر * وأدعو لها بالساكنين وبالقطر (٤) / وكقوله أيضا: هي الدار إلا أنها منهم قفر * وأنى بها ثاو وأنهم سفر (٥) / وكقوله: للاماني حديث [ قد ] يقر * ويسوء الدهر من قد يسر (٦)
وكقول المتنبي: وقد أرانى الشباب الروح في بدنى * وقد أرانى المشيب الروح في بدلى (٧) وقد قيل: إن من هذا القبيل قوله عز وجل: (خلق الانسان من عجل سأريكم آياتى فلا تستعجلون) (٨)، وقوله: (قل الله أعبد مخلصا له دينى فاعبدوا ما شئتم من دونه) (٩).
* * * ويعدون من البديع " المقابلة "، وهى أن يوفق بين معان ونظائرها والمضاد بضده، وذلك مثل قول النابغة الجعدى:

(١) ديوانه ص ٤٢ والصناعتين ٢٦١ (٢) م: " هذا الباب كله " (٣) ديوانه ٧٢ (٤) ديوانه ٣٥ (٥) ديوانه ص ٤٢ (٦) م " حديث يعز " ديوانه ٤٤ " قد يغر ويسر الدهر " (٧) ديوانه ٢ / ٦٦ " يقول: إنه إنما كان حيا حين كان شابا، فلما شاب صار كأنه قد مات وانتقل روحه إلى غيره.
والبدل في هذا البيت: الولد ".
(٨) سورة الانبياء: ٣٧ (٩) سورة الزمر: ١٤، ١٥ (*)


الصفحة التالية
Icon