وحيث إن هذا أمر إضافي في عبادة، والعبادات سبيلها الوقوف على النص ومورده، بل هنا في أفضل الكلام ((القرآن الكريم))، وفي أفضل العبادات العملية ((الصلاة)) والمسلم مطالب بأن لا يعبد الله إلا بما شرع، فالسؤال الوارد إذاً:
ما حكم التعبد بتقليد صوت القارئ، هل هو مطلوب شرعاً أو غير مطلوب؟ وإذا كان مطلوباً فما دليله؟ وما منزلته من قسمي الطلب: الوجوب والندب؟ وإن لم يكن مطلوباً فما حكمه؟ وما موقعه من قسمي النهي: التحريم والكراهية؟ ومعلوم أن الإِباحة، وهي القسم الخامس من أقسام التكليف، لا دخل لها في أمور التعبد.
والجواب على هذا يتحقق بأمور:
الأول: الصوت: نعمة أنعم الله بها على عبادة، و((حُسن الصوت خِلقة)) نعمة أخرى، يتفضل الله بها على من يشاء من عباده، مثل: نعمة الجمال، ونعمة القوة، ونعم: الجاه، والمال، والسلطان، وهكذا.
ويقتضي شكر البعد لأي من هذه النعم، استعمالها فيما هو طاعة لله، ولرسوله - ﷺ - كاستعمال نعمة الصوت في: قراءة القرآن.
والمراد من تحسين الصوت بالقرآن: تطريبه، وتحزينه، والتخشع به، حَوَالَة على الوازع الباعث الجاري على وفق الفطرة، ولهذا كان أحسن القراءات ما كان عن خشوع من القلب. قال طاووس: (أحسن الناس صوتاً بالقرآن: أخشاهم لله) رواه أبو عبيد. قال ابن كثير في ((فضائل القرآن ص / ١٢٥، ١٢٦)): وهو في معنى حديث مرفوع نحوه (١). (والغرض أن المطلوب شرعاً إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبُّر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة.

(١) انظره في: صفة صلاة النبي - ﷺ - ص / ٩٣.


الصفحة التالية
Icon