فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب. وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك كما قال الإِمام العلم أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله: حدثنا نعيم بن حماد عن بقية بن الوليد عن حصين بن مالك الفزاري، قال: سمعت شيخاً يكنى أبا محمد يحدث عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله - ﷺ - ((اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين، وسيجيء قوم من بعدي يرجِّعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم)). وحدثنا يزيد عن شريك عن أبي اليقظان عثمان بن عمير عن زاذان أبي عمر عن عليم قال: كنا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي - ﷺ - قال يزيد لا أعلمه إلا قال عابس الغفاري فرأى الناس يخرجون في الطاعون قال ما هؤلاء؟ قال يفرون من الطاعون فقال: يا طاعون خذني، فقالوا أتتمنى الموت وقد سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: ((لا يتمنين أحدكم الموت))؟ فقال إني أبادر خصالاً سمعت رسول الله - ﷺ - يتخوفهن على أمته بيع الحكم والا (١) بالدم وقطيعة الرحم وقوم يتخذون القرآن مزامير، يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء، وذكر خلتين آخرتين.
وحدثنا يعقوب بن إبراهيم عن ليث بن أبي سليم عن عثمان بن عمير عن زادان عن عباس الغفاري عن النبي - ﷺ - مثل ذلك أو نحوه، وحدثنا يعقوب عن إبراهيم عن الأعمش عن رجل عن أنس أنه سمع رجلا يقرأ القرآن بهذه الألحان التي أحدث الناس فأنكر ذلك ونهى عنه. وهذه طرق حسنة في باب الترهيب.

(١) موضع البياض مقطوع من الأصل.


الصفحة التالية
Icon