والحاصل: أن مجرد الصوت حسناً أو غير حسن، لم يعلق الله عليه حكماً، لا مدحاً، ولا ذماً، بل لا يجوز فيه ذمه إذا كان غير حسن، لأنه خلْق الله، لا اختيار للعبد فيه، وأن الصوت الطبعي الحسن، نعمة على العبد، و ((النعم محن)) فإن استعمله في الطاعة في قراءة كتاب الله تعالى كان ذلك أمراً مرغوباً فيه شرعاً، واستماعه مرغوب شرعاً لا لذات الصوت، لكن لأنه يحمل كلام الله، ويحببه إلى النفوس ويوصل معانيه إلى القلوب، وأن من كان كذلك لم يمنحه الشرع حكماً مستقلا لذات الصوت دون غيره. وأن تحريك الصوت للإِنسان أمر طبعي، كما يتحرك كل إلى ما يناسبه من الأصوات وإنما التعبد أن يتحرك العبد إلى كلام الله وما فيه من العظة والعبرة، والتذكير بالمصير، وبالجنة والنار، وعظيم الحكم والأحكام، أما لو تحرك عند قراءة القرآن طرباً لمجرد حسن الصوت، دون ما يحمله من آيات القرآن الكريم، فهذا عشق مجرد من التعبد، لعدم ورود أمر التعبد عليه في الشرع المطهر. وإذا استقر عندك هذا المحصول الجامع لأحكام الصوت الحسن، بقي الوقوف على حكم هذه الظاهرة الحادثة: ((الافتتان بتقليد أصوات القراء، والقراءة بها في المحاريب بيت يدي الله تعالى)) عندئذ نقول: هذا أمر ((إضافي إلى التعبد في القراءة)) فهذا ((التقليد)) ((عبادة)). ومعلوم أنه قد وجد المقتضى لهذا في عصر النبي - ﷺ -، وعصر صحابته رضي الله عنهم، فلم يُعمل العمل به عن أحد منهم رضي الله عنهم وقد عُلم في ((الأصول)): ((أن ترك العمل بالشيء في عصر النبي - ﷺ - مع وجود المقتضي له يدل على عدم المشروعية)).