نعم لا ينكر توافق بعض الأصوات حسناً كان الصوت أو غير حسن، لكن السامع يميز بين هذا وذلك، إذا استقر ذلك: فاعلم أن المُحْدث يتولد منه أمور محدثة، وهكذا تبدو المحدثات صغاراً، ثم تنمو، وتزداد، حتى تتقطع السبيل إلى السبل، وتغاب السنن. وقد تولد عن فتنة التقليد: إحياء البدعة المهجورة لدى المتصوفة. ((التعبد بعشق الصوت)) وقد كشف أهل السنة في مبحثي ((عشق الصور، وعشق الصوت)) بدعية التعبد بهذا العشق، وأنه فتنه للتابع والمتبوع. وتولد منها في عصرنا: الازدحام في المساجد التي سبيل إمامها كذلك في المحاكاة، وقد بينت النهي عن تتبع المساجد طلباً لحسن الصوت فيما كتبت عن ((ختم القرآن))، بل بلغنا بخبر الثقات عن مشاهدة منهم أن بعضهم يسافر من بلد إلى بلد آخر في أيام رمضان ليصلي التراويح في مسجدٍ إمَامُه ((حسن الصوت)). فانظروا - رحمكم الله - كيف خرق سياج السنة في النهي عن شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى. ومن ولائد ذلك: تَكَرُّه النفوس للصلاة خلف إمام لا يُستحسن صوته. ومنها: انصراف من شاء الله من عباده عن الخشوع في الصلاة، وحضور القلب... إلى التعلق بمتابعة الصوت الحسن لذات الصوت. وأنصح كل مسلم قارئ لكتاب الله تعالى وبخاصة أئمة المساجد، أن يكفوا عن المحاكاة والتقليد في قراءة كلام رب العالمين، فكلام الله أجل، وأعظم من أن يجلب له القارئ ما لم يطلب منه شرعاً زائداً على تحسين الصوت حسب وسعه لا حسب قدرته على التقليد والمحاكاة، وقد قال الله عن نبيه محمد - ﷺ - :﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: ٨٦]، وليجتهد العبد في حضور القلب، وإصلاح النية فيقرأ القرآن محسناً به صوته من غير تكلف، وليجتنب التكلف من الأنغام، والتقعر في القراءة، والممنوع من حرمة الأداء.


الصفحة التالية
Icon