قوله تعالى :﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ﴾ السُّفَهَاءُ : واحده سَفِيه، والسَّفِيهُ : الخفيف الحلم، من قولهم ثوب سفيه إذا كان خفيف النسج، ورمح سفيه إذا أسرع نفوذه.
وفي والمراد بالسفهاء هَا هُنَا ثلاثة أقاويل :
أحدها : اليهود، وهو قول مجاهد.
والثاني : المنافقون، وهو قول السدي.
والثالث : كفار قريش وحكاه الزجاج.
﴿ مَا ولاَّهم عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ يعني ما صرفهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، وهي بيت المقدس، حيث كان يستقبلها رسول الله ﷺ بمكة، بعد هجرته إلى المدينة بستة عشر شهراً في رواية البراء بن عازب، وفي رواية معاذ بن جبل : ثلاثة عشر شهراً، وفي رواية أنس بن مالك تسعة أشهر أو عشرة أشهر، ثم نُسِخَتْ قبلةُ بيت المقدس باستقبال الكعبة، ورسول الله ﷺ بالمدينة في صلاة الظهر وقد صلى منها ركعتين نحو بيت المقدس، فانصرف بوجهه إلى الكعبة، هذا قول أنس بن مالك، وقال البراء بن عازب : كنا في صلاة العصر بقباء، فمر رجل على أهل المسجد وهم ركوع في الثانية، فقال : أشهد لقد صَلَّيت مع رسول الله ﷺ قِبَلَ مكة، فداروا كما هم قِبَلَ البيت، وقِبَلُ كل شيءٍ : ما قَابَل وَجْهَه.
واختلف أهل العلم في استقبال رسول الله ﷺ بيت المقدس، هل كان برأيه واجتهاده، أو كان عن أمر الله تعالى لقوله :﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ التَّي كُنْتَ عَلَيْهَا إلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبعُ الرَّسُوُلَ ﴾، وهذا قول ابن عباس وابن جريج.
والقول الثاني : أنه كان يستقبلها برأيه واجتهاده، وهذا قول الحسن، وعكرمة، وأبي العالية، والربيع. واختلفوا في سبب اختياره بيت المقدس على قولين :
أحدهما : أنه اختار بيت المقدس ليتألَّف أهل الكتاب، وهذا قول أبي جعفر الطبري.
والثاني : لأن العرب كانت تحج البيت غير آلفة لبيت المقدس، فأحب الله أن يمتحنهم بغير ما ألفوه، ليعلم من يتبع ممن ينقلب على عَقِبَيْهِ، وهذا قول أبي إسحاق الزجاج، فلما استقبل رسول الله ﷺ الكعبة، قال ابن عباس : أتى رفاعة بن قيس وكعب بن الأشرف والربيع وكنانة بن أبي الحُقَيْقِ، فقالوا لرسول الله ﷺ : ما ولاّك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملةِ إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها، نتبعك ونصدقك. وإنما يريدون فتنته عن دينه، فأنزل الله تعالى :﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيها؟ قُل : لِلَّهِ الْمَشْرِقْ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقيمٍ ﴾ يعني حيثما أمر الله تعالى باستقباله من مشرق أو مغرب والصراط : الطريق : والمستقيم : المستوي.


الصفحة التالية
Icon