والثاني : أنه الوسط في النفقة ما لم يكن إسرافاً أو إقتاراً، وهو قول الحسن.
والرابع : إن العفو أن يؤخذ منهم ما أتوا به من قليل أو كثير، وهو قول مروي عن ابن عباس أيضاً.
والخامس : أنه الصدقة عن ظهر غِنى، وهو قول مجاهد.
والسادس : أنه الصدقة المفروضة وهو مروي عن مجاهد أيضاً.
واختلفوا في هذه النفقة التي هي العفو هل نسخت ؟ فقال ابن عباس نسخت بالزكاة. وقال مجاهد هي ثابتة.
واختلفوا في هذه الآية هل كان تحريم الخمر بها أو بغيرها؟ فقال قوم من أهل النظر : حرمت الخمر بهذه الآية. وقال قتادة وعليه أكثر العلماء : أنها حرمت بأية المائدة.
وروى عبد الوهاب عن عوف عن أبي القُلوص زيد بن علي قال : أنزل الله تعالى في الخمر ثلاث آيات فأول ما أنزل الله تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخمْرِ والْمِيِسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَاقِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ﴾، فشربها قوم من المسلمين أو من شاء الله منهم حتى شربها رجلان ودخلا في الصلاة وجعلا يقولان كلاماً لا يدري عوف ما هو، فأنزل الله تعالى :﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الَّصلاة وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ فشربها من شربها منهم وجعلوا يتوقّونها عند الصلاة، حتى شربها فيما زعم أبو القلوص رجل فجعل ينوح على قتلى بدر، وجعل يقول :

تحيي بالسلامة أم بكرٍ وهل لي بعد قومي من سلام
ذريني اصطبحْ بكراَ فإني رأيت الموت نبّث عن هشام
ووديني المغيرة لو فدوه بألف من رجال أو سوام
وكائن بالطَويَّ طويَّ بدرٍ من الشيزي تُكَلّلُ بالسنامَ
وكائن بالطَويَّ طويَّ بدر من الفتيان والحلل الكرامِ
قال : فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فجاء فزعاً يجر رداءه من الفزع حتى انتهى إليه، فلما عاينه الرجل ورفع رسول الله ﷺ شيئاً كان بيده ليضربه، فقال : أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسول الله، لا أطعمها أبداً، فأنزل الله في تحريمها ﴿ يَا أَيَّهَا الَّذِينَ ءَآمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيِسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأزْلاَمُ ﴾ إلى قوله :﴿ فَهَلْ أَنْتُم مُّنْتَهُونَ ﴾ [ المائدة : ٩٠٩١ ] فقالوا : انتهينا.
وروى موسى عن عمرو عن أسباط عن السدي قال : نزلت هذه الآية :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخمْرِ والْمِيِسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ فلم يزالوا يشربونها حتى صنع عبد الرحمن بن عوف طعاماً ودعا ناساً من أصحاب رسول الله ﷺ، منهم علي بن أبي طالب وعمر رضي الله عنهما، فشربوا حتى سكروا، فحضرت الصلاة فأمهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقرأ :﴿ قُلْ يَأَيُّها الْكَافِرُونَ ﴾ [ الكافرون : ١ ] فلم يُقِمْها، فأنزل الله تعالى يشدد في الخمر ﴿ يا أيُّهَا الَّذِينَ ءَآمَنْوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ ﴾ إلى قوله :﴿ مَا تَقُولُونَ ﴾ فكانت لهم حلالاً يشربونها من صلاة الغداة حتى يرتفع النهار أو ينتصف فيقومون إلى صلاة الظهر وهم صاحون، ثم لا يشربونها حتى يصلوا العتمة، ثم يشربونها حتى ينتصف الليل، وينامون ويقومون إلى صلاة الفجر وقد أصبحوا، فلم يزالوا كذلك يشربونها حتى صنع سعد بن أبي وقاص طعاماً ودعا ناس من أصحاب رسول الله ﷺ فيهم رجل من الأنصار، فسوى لهم رأس بعير ثم دعاهم إليه، فلما أكلوا وشربوا من الخمر سكروا وأخذوا في الحديث فتكلم سعد بشيء فغضب الأنصاري فرفع لحى البعير وكسر أنف سعد، فأنزل الله تعالى نسخ الخمر وتحريمها، فقال تعالى :


الصفحة التالية
Icon