قوله تعالى :﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النَّسَآءِ ﴾ يعني أهل قيام على نساءهم، في تأديبهن، والأخذ على أيديهن، فيما أوجب الله لهم عليهن.
﴿ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ يعني في العقل والرأي.
﴿ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنْ أِمْوَالِهِمْ ﴾ يعني به الصداق والقيام بالكفاية. وقد روى جرير بن حازم عن الحسن أن سبب ذلك أن رجلاً من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص، فجعل النبي ﷺ بينهما القصاص فنزلت :﴿ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَي إِلَيْكَ وَحْيُهُ ﴾ [ طه : ١١٤ ] ونزلت ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾، وكان الزهري يقول : ليس بين الرجل وامرأته قصاص فيما دون النفس.
﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ ﴾ يعني المستقيمات الدين العاملات بالخير، والقانتات يعني المطيعات لله ولأزواجهن.
﴿ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ ﴾ يعني حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن، ولما أوجبه الله من حقه عليهن.
﴿ بِمَا حَفِظَ اللهُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني يحفظ الله لهن إذ صيّرهن كذلك، وهو قول عطاء.
والثاني : بما أوجبه الله على أزواجهن من مهورهن ونفقتهن حتى صرن بها محفوظات، وهذا قول الزجاج.
وقد روى ابن المبارك، سعيد بن أبي سعيد أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« خَيْرُ النَّساءِ امْرَأَةً إِذا نَظَرْتَ إِلَيهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ في مالِهَا ونَفْسِهَا » قال ثم قرأ رسول الله ﷺ :﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ ﴾ إلى آخر الآية.
﴿ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾ في ﴿ تَخَافُونَ ﴾ تأويلان :
أحدهما : أنه العلم، فعبر عنه بالخوف، كما قال الشاعر :

ولا تدفنيني بالفلاة فإنني أخافُ إذا ما مِتُّ أن لا اذُوقَها
يعني فإنني أعْلَمُ والتأويل الثاني : أنه الظن، كما قال الشاعر.
أتاني عن نصر كلام يقوله وما خفت يا سلامُ أنك عائبي
وهو أن يستر على نشوزها بما تبديه من سوء فعلها.
والنشوز : هو معصية الزوج والامتناع من طاعته بغضاً وكراهة - وأصل النشوز : الارتفاع، ومنه قيل للمكان المرتفع من الأرض نُشز، فسميت الممتنعة عن زوجها ناشزاً لبعدها منه وارتفاعها عنه.
﴿ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ أما وعظها فهو أن يأمرها بتقوى الله وطاعته، ويخوفها استحقاق الوعيد في معصيته وما أباحه الله تعالى من ضربها عند مخالفته، وفي المراد بقوله :﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾ خمسة أقاويل :
أحدها : ألا يجامعها، وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير.
والثاني : أن لا يكلمها ويوليها ظهره في المضجع، وهو قول الضحاك، والسدي. والثالث : أن يهجر فراشها ومضاجعتها وهو قول الضحاك، والسدي.
والرابع : يعني وقولوا لهن في المضاجع هُجراً، وهو الإغلاظ في القول، وهذا قول عكرمة، والحسن.
والخامس : هو أن يربطها بالهجار وهو حبل يربط به البعير ليقرها على الجماع، وهو قول أبي جعفر الطبري.


الصفحة التالية
Icon