قوله تعالى :﴿ وَقُلْنَا يا آدَمَ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾.
إن الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر بعد أن ألقى عليه النوم، ولذلك قيل للمرأة : ضلع أعوج.
وسُمِّيت امرأةً لأنها خُلِقَتْ مِنَ المرءِ، فأما تسميتها حواء، ففيه قولان :
أحدهما : أنها سميت بذلك لأنها خلقت من حَيٍّ، وهذا قول ابن عباسٍ، وابن مسعود.
والثاني : أنها سميت بذلك، لأنها أم كل حيٍّ.
واختُلِف في الوقت الذي خلقت فيه حواءُ على قولين :
أحدهما : أن آدم أُدْخِلَ الجنَّةَ وَحْدَهُ، فَلَمَّا استوحش خُلِقَتْ حواءُ من ضِلْعِهِ بعد دخوله في الجنة، وهذا قول ابن عباسٍ، وابن مسعود.
والثاني : أنها خلقت من ضلعه قبل دخوله الجنة، ثم أُدْخِلا معاً إلى الجنةِ، لقوله تعالى :﴿ وَقُلْنَا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾، وهذا قول أبي إسحاق.
واختلف في الجَنَّةِ التي أُسْكِنَاهَا على قولين :
أحدهما : أنها جنةُ الخُلد.
والثاني : أنها جنةٌ أعدها الله لهما، والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا ﴾.
في الرغدِ ثلاثةُ تأويلاتٍ :
أحدها : أنه العيش الهني، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود، ومنه قول امرئ القيس :

بَيْنَمَا الْمَرْءُ تَرَاهُ نَاعِماً يَأْمِنُ الأحْدَاثَ في عَيْشٍ رَغَدْ
والثاني : أنه العيش الواسع، وهذا قول أبي عبيدة.
والثالث : أنه أراد الحلال الذي لا حساب فيه، وهو قول مجاهد.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾.
اختلف أهل التفسير في الشجرة التي نُهِيا عنها، على أربعةِ أقاويل :
أحدها : أنها البُرُّ، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنها الكَرْمُ، وهذا قول السُّدِّيِّ، وجعدة بن هبيرة.
والثالث : أنها التِّين، وهذا قول ابن جريجٍ، ويحكيه عن بعض الصحابة.
والرابع : أنها شجرة الخلد التي تأكل منها الملائكة.
وفي قوله تعالى :﴿ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ قولان :
أحدهما : من المعتدين في أكل ما لم يُبَحْ لكما.
والثاني : من الظالمين لأنفسكما في أكلكما.
واختلفُوا في معصية آدم بأكله من الشجرة، على أي وجهٍ وقعت منه، على أربعة أقاويل :
أحدها : أنه أكل منها وهو ناسٍ للنهي لقولِهِ تعالى :﴿ ولقد عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ﴾ [ طه : ١١٥ ] وزعم صاحب هذا القول، أن الأنبياء يلزمهم التحفظ والتيقُّظُ لكثرة معارفهم وعُلُوِّ منازلهم ما لا يلزم غيرهم، فيكون تشاغله عن تذكُّر النهي تضييعاً صار به عاصياً.
والقول الثاني : أنه أكل منها وهو سكران فصار مؤاخذاً بما فعله في السُّكْرِ، وإن كان غير قاصدٍ له، كما يؤاخَذُ به لو كان صاحياً، وهو قول سعيد بن المسيب.
والقول الثالث : أنه أكل منها عامداً عالماً بالنهي، وتأول قوله :﴿ وَلَقَدْ عَهْدْنَا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ﴾


الصفحة التالية
Icon