[ طه : ١١٥ ] أي فَزَلَّ، ليكون العَمْدُ في معصيةٍ يستحق عليها الذمَّ.
والرابع : أنه أكل منها على جهة التأويل، فصار عاصياً بإغفال الدليل، لأن الأنبياء لا يجوز أن تقع منهم الكبائر، ولقوله تعالى في إبليس :﴿ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ ﴾ [ الأعراف : ٢٢ ] وهو ما صرفهما إليه من التأويل.
واختلف من قال بهذا في تأويله الذي استجاز به الأكل، على ثلاثةِ أقاويلَ :
أحدها : أنه تأويل على جهةِ التنزيه دون التحريم.
والثاني : أنه تأويل النهي عن عين الشجرة دون جنسها، وأنه إذا أكل من غيرها من الجنسِ لم يعصِ.
والثالث : أن التأويل ما حكاه الله تعالى عن إبليس في قوله :﴿ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾ [ الأعراف : ٢٣ ].
قوله تعالى :﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾.
قرأ حمزة وحده :﴿ فَأَزَالَهُمَا ﴾ بمعنى نحَّاهُما من قولك : زُلْتُ عن المكان، إذا تنحَّيْتَ عنه، وقرأ الباقون :﴿ فَأَزَلَّهُمَا ﴾ بالتشديد بمعنى استزلَّهما من الزلل، وهو الخطأ، سمي زلَلاً لأنه زوال عن الحقَّ، وكذلك الزّلة زوال عن الحق، وأصله الزوال.
والشيطان الذي أزلهما هو إبليس.
واختلف المفسرون، هل خلص إليهما حتى باشرهما بالكلام وشافههما بالخطاب أم لا؟ فقال عبد الله بن عباس، ووهب بن منبه، وأكثر المفسرين أنه خلص إليهما، واستدلُّوا بقوله تعالى :﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [ الأعراف : ٢١ ] وقال محمد بن إسحاق : لم يخلص إليهما، وإنما أوقع الشهوة في أنفسهما، ووسوس لهما من غير مشاهدة، لقوله تعالى :﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ ﴾ [ الأعراف : ٢٠ ]، والأول أظهر وأشهر.
وقوله تعالى :﴿ فَأَخْرجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾ يعني إبليس، سبب خروجهما، لأنه دعاهما إلى ما أوجب خروجهما.
قوله عزَّ وجلَّ :﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾.
الهُبوط بضم الهاء النزول، وبفتحها موضع النزول، وقال المفضل : الهبوط الخروج من البلدة، وهو أيضاً دُخولها، فهو من الأضداد، وإذا كان الهبوط في الأصل هو النزول، كان الدخُول إلى البلدة لسكناها نزولاً بها، فصار هُبوطاً.
واختلفوا في المأمور بالهبوط، على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه آدم، وحواء، وإبليس، والحيَّةُ، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنه آدم وذريته، وإبليس وذريته، وهذا قول مجاهد.
والثالث : أنه آدم، وحواء، والمُوَسْوِسُ.
والعدو اسم يستعمل في الواحد، والاثنين، والجمع، والمذكر، والمؤنث، والعداوة مأخوذة من المجاوزة من قولك : لا يَعْدوَنَّكَ هذا الأمْرُ، أيْ لا يُجاوِزَنَّكَ، وعداهُ كذا، أي جازوه، فَسُمِّيَ عَدُوّاً لمجاوزةِ الحدِّ في مكروه صاحبه، ومنه العَدْوُ بالقَدَم لمجاوزة المشْيِ، وهذا إخبار لهم بالعداوة وتحذير لهم، وليس بأمر، لأن الله تعالى لا يأمر بالعداوة.
واخْتُلِفَ في الَّذينَ قِيلَ لهم :﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عدُوٌّ ﴾، على قولين :
أحدهما : أنهم الذين قيل هلم اهبطوا، على ما ذكرنا من اختلاف المفسرين فيه.
والثاني : أنهم بنو آدم، وبنو إبليس، وهذا قول الحسن البصري.


الصفحة التالية
Icon