قوله تعالى :﴿ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ﴾ قد ذكرنا اختلاف المفسرين والفقهاء في لغو اليمين.
﴿ وَلَكِنَ يُؤَاخِذُوكُمْ بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ﴾ اختلف فى سبب نزولها على قولين :
أحدهما : أنها نزلت في عثمان بن مظعون، حين حرَّم على نفسه الطعام، والنساء، بيمين حَلَفَهَا، فأمره النبي ﷺ، قاله السدي.
والثاني : أنها نزلت فى عبد الله بن رَوَاحة، وكان عنده ضيف فأَخَّرَتْ زوجته قِرَاهُ فَحَلَفَ لا يَأكل من الطعام شيئاً، وَحَلَفَتِ الزوجة لا تأكل منه إن لم يأكل، وحَلَفَ الضيف لا يأكل منه إن لم يأكلا، فأكل عبد الله وأكلا معه، فأخبر النبي ﷺ بذلك، فقال :« أَحْسَنْتَ » ونزلت فيه هذه الآية، قاله ابن زيد.
وقوله تعالى :﴿ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيْمَانَ ﴾ وعقدها هو لفظ باللسان وقصد بالقلب، لأن ما لم يقصده فى أَيمَانِهِ، فهو لغو لا يؤاخذ به.
ثم في عقدها قولان :
أحدهما : أن يكون على فعل مستقبل، ولا يكون على خبر ماض، والفعل المستقبل نوعان : نفي وإثبات، فالنفي أن يقول والله لا فعلت كذا، والإِثبات أن يقول : والله لأَفْعَلَنَّ كذا.
وأما الخبر الماضي فهو أن يقول : والله ما فعلت، وقد فعل، أو يقول : والله لقد فعلت كذا، وما فعل، فينعقد يمينه بالفعل المستقبل في نوعي إثباته ونفيه.
وفي انعقادها بالخبر الماضي قولان.
أحدهما : أنها لا تنعقد بالخبر الماضي، قاله أبو حنيفة وأهل العراق.
والقول الثاني : أنها تنعقد على فعل مستقبل وخبر ماض يتعلق الحنث بهما، قاله الشافعي، واهل الحجاز.
ثم قال تعالى :﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مََساكِينَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنها كفارة ما عقدوه من الأيمان، قالته عائشة، والحسن، والشعبي، وقتادة.
والثاني : أنها كفارة الحنث فيما عقدة منها، وهذا يشبه أن يكون قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، والضحاك، وإبراهيم.
والأصح من إطلاق هذين القولين أن يعتبر حال اليمين في عقدها وحلها، فإنها لا تخلو من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يكون عقدها حلها معصية كقوله : والله لا قَتَلْتُ نفساً ولا شربت خمراً، فإذا حنث فقتل النفس، وشرب الخمر، كانت الكفار لتكفير مأثم الحنث.
والحال الثالثة : أن يكون عقدها مباحاً، وحلها مباحاً كقوله : والله لا لبست هذا الثوب، فالكفارة تتعلق بهما وهي بالحنث أخص.
ثم قال تعالى :﴿ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : من أوسط أجناس الطعام، قاله ابن عمر، والحسن، وابن سيرين.
والثاني : من أَوسطه في القدر، قاله علي، وعمر، وابن عباس، ومجاهد.
وقرأ سعيد بن جبير ﴿ مِن وَسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلَيكُمْ ﴾
ثم اختلفوا في القدر على خمسة أقاويل :


الصفحة التالية
Icon