والثاني : من الشاهدين عند من يأتي من قومنا بما شاهدناه من الآيات الدالة على أنك نبي إليهم وإلينا.
قوله تعالى :﴿ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَآءِ ﴾ إنما زيدت الميم في آخر اللهم مثقلة عوضاً عن حرف النداء، فلم يجز أن يدخل عليه حرف النداء فلا يقال يا اللهم لأن الميم المُعَوِّضة منه أغنت عنه، فأما قول الشاعر :

وما عليك أن تقولي كلما سبحت أو هللت يا اللهم
أردد علينا شيخنا مسلما فإننا من خيره لن نعْدَما
فلأن ضرورة الشعر جوزته.
سأل عيسى ربه، أن ينزل عليهم المائدة التي سألوه، وفي سؤاله وجهان :
أحدهما : أنه تفضل عليهم بالسؤال، وهذا قول من زعم أن السؤال بعد استحكام المعرفة.
والثاني : أنه رغبة منه إلى الله تعالى في إظهار صدقه لهم، وهذا قول من زعم أن السؤال قبل استحكام المعرفة.
﴿ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : نتخذ اليوم الذي أنزلت فيه عيداً نعظمه نحن ومن بعدنا قاله قتادة والسدي.
وقيل : إن المائدة أنزلت عليهم في يوم الأحد غداة وعشية، ولذلك جعلوا الأحد عيداً.
والثاني : معناه عائدة من الله تعالى علينا، وبرهاناً لنا ولمن بعدنا.
والثالث : يعني نأكل منها جميعاً، أولنا وآخرنا، قاله ابن عباس.
﴿ وَءَايَةً مِّنكَ ﴾ يعني علامة الإِعجاز الدالة على توحيدك وقيل التي تدل على صدق أنبيائك.
الشكر على ما أنعمت به علينا من إجابتك، وقيل : أرزقنا ذلك من عندك.
قوله تعالى :﴿ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ﴾ وهذا وعد من الله تعالى أجاب به سؤال عيسى كما كان سؤال عيسى إجابة للحواريين.
واختلفوا في نزول المائدة على ثلاثة أقاويل.
أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى لخلقه، ينهاهم به عن مسألة الآيات لأنبيائه، قاله مجاهد.
والثاني : أنهم سألوا ووعدهم بالإِجابة، فلما قال لهم :﴿ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ ﴾ استعفوا منها فلم تنزل عليهم، قاله الحسن.
والثالث : أنهم سألوا فأجابهم، ولم يستعفوا، لأنه ما حكى الاستعفاء عنهم، ثم أنزلها عليهم، لأنه قد وعدهم، ولا يجوز أن يخلف وعده.
ومن قال بهذا اختلفوا في الذي كان عليها حين نزلت على ستة أقاويل :
أحدها : أنه كان عليها ثمار الجنة، قاله قتادة.
والثاني : أنه كان عيها خبز ولحم، قاله عمار بن ياسر.
والثالث : أنه كان عليها سبعة أرغفة، قاله إسحاق بن عبد الله.
والرابع : كان عليها سمكة فيها طعم كل الطعام، قاله عطاء، وعطية.
والخامس : كان عليها كل طعام إلا اللحم، قاله ميسرة.
والسادس : رغيفان وحوتان، أكلو منها أربعين يوماً في سفرة، وكانوا ومن معهم نحو خمسة آلاف، قاله جويبر.


الصفحة التالية
Icon