قوله تعالى :﴿ وَفُومِهَا ﴾ فيه ثلاثةُ تأويلاتٍ :
أحدها : أنه الحنطة، وهو قول ابن عباسٍ، وقتادة، والسدي، وأنشد ابن عباسٍ مَنْ سأله عن الفوم، وأنه الحُنْطة قَوْلَ أُحيحة بن الجُلاح :
قَدْ كُنْتُ أَغْنَىَ النَّاسِ شَخْصاً وَاحِداً | وَرَدَ الْمَدِينَةَ عَنْ زِرَاعَةِ فُومٍ |
والثالث : أنه الثومُ بالثاء، وذلك صريح في قراءة ابن مسعود، وهو قول الربيع بن أنس والكسائي.
قوله تعالى :﴿ اهْبِطُوا مِصْراً ﴾ : قرأ عامةُ القُرّاءِ بالتنوين، وقرأ بعضهم بغير تنوين، وهي كذلك، وقراءة ابن مسعود بغير ألف.
وفي المصر الذي عناه قولان :
أحدهما : أنه أراد أيَّ مِصْرٍ، أرادوا من غير تعيين؛ لأنَّ ما سألوا من البقل والقثَّاء والفوم، لا يكون إلا في الأمصار، وهذا قول قتادة، والسدي ومجاهد، وابن زيد.
والثاني : أنه أراد مصر فرعون، الذي خرجوا منه، وهذا قول الحسن، وأبي العالية والربيع.
واختلف في اشتقاق المِصْرِ، فمنهم من قال : إنه مشتق من القطع، لانقطاعه بالعمارة، ومنهم من قال : إنه مشتق من الفصل بينه وبين غيره، قال عدي بن زيد :
وَجَاعِلُ الشَّمْسِ مِصْراً لاَ خَفَاءَ بِهِ | بَيْنَ النَّهَارِ وَبَيْنَ اللَّيْلِ قَدْ فَصَلاَ |
أحدهما : أنَّه من الذِّلَّة والصغار.
والثاني : أنَّه فَرَضَ الجِزْيَةَ عليهم، وهذا قول الحسن وقتادة.
وفي « المسكنة » تأويلان :
أحدهما : أنها الفاقة، وهو قول أبي العالية.
والثاني : أنه الفقر، وهو قول السدي.
وفي قوله تعالى :﴿ وَباءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : وهو قول أبي العباس المَبِّرد : أن أصل ذلك : المنزلة، ومعناه أنهم نزلوا بمنزلة غضب الله، ورُوي : أن رجلاً جاء برجلٍ إلى النبيِّ ﷺ، فقال : هذا قاتل أخي، قال « فَهُوَ بَوَاءٌ بِهِ » أي أنه مقتول، فيصير في منزلته، وتقول ليلى الأخيليَّةُ :
فَإِنْ يَكُنِ الْقَتْلَى بَوَاءً فَإِنَّكُمْ | فَتىً مَا قَتَلْتُمْ آلَ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ |
والثالث : وهو قول الكسائي، أن معناه أنهم رجعوا بغضب من الله، قال : البواء : الرجوع، إلا أنه لا يكون رجوعاً إلا بشيء : إمَّا بشرٍّ، وإِمَّا بخيرٍ.
وفي قوله تعالى :﴿ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ قولان :
أحدهما : أن الله تعالى؛ إنما جاز أن يُخَلِّيَ بين الكُفَّار وقتلِ الأنبياء، لينالوا من رفيع المنازل ما لا ينالونه بغيره، وليس ذلك بخذلان لهم، كما يفعل بالمؤمنين من أهل طاعته.