قوله تعالى :﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم ﴾ اختلف في المُشَار إليه بالقسوة، على قولين :
أحدهما : بنو أخي الميت حين أنكروا قتله، بعد أن سمعوه منه عند إحياء الله له، وهو قول ابن عباس.
والثاني : أنه أشار إلى بني إسرائيل كلهم، ومن قال بهذا قال : من بعد ذلك : أي من بعد آياته كلها التي أظهرها على موسى.
وفي قسوتها وجهان :
أحدهما : صلابتها حتى لا تلين.
والثاني : عنفها حتى لا ترأف.
وفي قوله تعالى :﴿ مِّنْ بَعْدِ ذلِكَ ﴾ وجهان :
أحدهما : من بعد إحياء الموتى، ويكون هذا الخطاب راجعاً إلى جماعتهم.
والثاني : من بعد كلام القتيل، ويكون الخطاب راجعاً إلى بني أخيه.
وقوله تعالى :﴿ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ يعني القلوب التي قست.
واختلف العلماء في معنى ﴿ أَوْ ﴾ في هذا الموضع وأشباهه كقوله تعالى :﴿ فَكَانَ قَابَ قَوسَين أَوْ أَدْنَى ﴾ [ النجم : ٩ ] على خمسة أقاويل :
أحدها : أنه إبهام على المخاطبين، وإن كان الله تعالى عالماً، أي ذلك هو، كما قال أبو الأسود الدؤلي :
أحب محمداً حباً شديداً | وعباساً وحمزة أو علياً |
فإن يك حبهم رشدا أُصِبه | ولستُ بمخطئ إن كان غياً |
والثاني : أن ﴿ أَوْ ﴾ ها هنا بمعنى الواو، وتقديره فهو كالحجارة وأشد قسوة، ومثله قول جرير :
جاءَ الخلافة أو كانت له قدرا | كما أتى ربَّه موسى على قَدَرِ |
والرابع : أن معناها الإباحة وتقديره، فإن شبهتموها بالحجارة كانت مثلها، وإن شبهتموها بما هو أشد، كانت مثلها.
والخامس : فهي كالحجارة، أو أشد قسوة عندكم.
ثم قال تعالى :﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ ﴾ يعني أن من الحجارة ما هو أنفع من قلوبكم القاسية، لِتَفَجِّرِ الأنهار منها.
ثم قال تعالى :﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ﴾ فاختلفوا في ضمير الهاء في « منها »، إلى ماذا يرجع؟ على قولين :
أحدهما : إلى القلوب لا إلى الحجارة، فيكون معنى الكلام : وإن من القلوب لما يخضع من خشية الله، ذكره ابن بحر.
والقول الثاني : أنها ترجع إلى الحجارة، لأنها أقرب مذكور.
واختلف من قال بهذا، في هذه الحجارة على قولين :
أحدهما : أنها البرد الهابط من السَّحاب، وهذا قول تفرد به بعض المتكلمين.