قوله تعالى :﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيم ﴾ إلى آخرها.
أما قوله :﴿ اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ ﴾ ففيه تأويلان :
أحدهما : معناه أرْشُدْنا ودُلَّنَا.
والثاني : معناه وفقنا، وهذا قول ابن عباس.
وأما الصراط ففيه تأويلان :
أحدهما : أنه السبيل المستقيم، ومنه قول جرير :
أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِراطٍ | إذَا اعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيم |
................... | فَصَدَّ عَنْ نَهْجِ الصِّرَاطِ الْقَاصِدِ |
وفي الدعاء بهذه الهداية، ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنهم دعوا باستدامة الهداية، وإن كانوا قد هُدُوا.
والثاني : معناه زدنا هدايةً.
والثالث : أنهم دعوا بها إخلاصاً للرغبة، ورجاءً لثواب الدعاء. واختلفوا في المراد بالصراط المستقيم، على أربعة أقاويل :
أحدها : أنه كتاب الله تعالى، وهو قول علي وعبد الله، ويُرْوَى نحوه عن النبي ﷺ.
والثاني : أنه الإسلام، وهو قول جابر بن عبد الله، ومحمد بن الحنفية.
والثالث : أنه الطريق الهادي إلى دين الله تعالى، الذي لا عوج فيه، وهو قول ابن عباس.
والرابع : هو رسول الله ﷺ وأخيار أهل بيته وأصحابه، وهو قول الحسن البصري وأبي العالية الرياحي.
وفي قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمُ ﴾ خمسة أقاويل : أحدها : أنهم الملائكة.
والثاني : أنهم الأنبياء.
والثالث : أنهم المؤمنون بالكتب السالفة.
والرابع : أنهم المسلمون وهو قول وكيع.
والخامس : هم النبي ﷺ، ومَنْ معه مِنْ أصحابه، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد.
وقرأ عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير :( صِرَاطَ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ )
وأما قوله :﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ فقد روى عن عديِّ بن حاتم قال : سألتُ رسول الله ﷺ، عن المغضوب عليهم، فقال :« هُمُ اليَهُود » وعن الضالين فقال :« هُمُ النَّصارى
». وهو قول جميع المفسرين.
وفي غضب الله عليهم، أربعة أقاويل :
أحدها : الغضب المعروف من العباد.
والثاني : أنه إرادة الانتقام، لأن أصل الغضب في اللغة هو الغلظة، وهذه الصفة لا تجوز على الله تعالى.
والثالث : أن غضبه عليهم هو ذَمُّهُ لهم.
والرابع : أنه نوع من العقوبة سُمِّيَ غضباً، كما سُمِّيَتْ نِعَمُهُ رَحْمَةً.
والضلال ضد الهدى، وخصّ الله تعالى اليهود بالغضب، لأنهم أشد عداوة.
وقرأ عمر بن الخطاب ( غَيْرِ الْمغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ الضَّآلِّين )